ومن الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل , ولا يفهم منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى.
ب- وقسم يراد به رفع الحرج عن الفعل , مع كونه في نفسه مشروعاً له فضلية , بل قد يكون واجباً , وإنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعاً لوهم أو زعم من قد يظن الحرج في فعله , ومن أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا).
إذا تبين هذا , فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) , لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم , وليس فيه ما يدل على ترجيح الإفطار على الصيام.
ولكن , إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة , بدليل صيامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه , فمن البدهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن , وإذا كان كذلك , فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن لا يدل على أنه أحسن من الصيام , لأن الصيام أيضاً حسن كما عرفت , وحينئذ , فالحديث لا يدل على أفضلية الفطر المدعاة , بل على أنه والصيام متماثلان.
ويؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة رضي الله عنها: أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يارسول الله إني رجل أسرد الصوم , فأصوم في السفر؟ قال:
194 - (صم إن شئت، وأفطر إن شئت).
قلت: فخيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الأمرين , ولم يفضل له أحداهما على الآخر , والقصة واحدة , فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة.
ويقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في المرقاة إن الحديث دليل على أفضلية الصوم , ثم تكلف في توجيه ذلك.
والحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل , على ما ذكرناه من التفصيل.
نعم , يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ [وفي رواية: كما يحب أن تؤتى عزائمه]).
وهذا لا مناص من القول به , لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء , وليس عليه حرج في الأداء , وإلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود , فتأمل.
وأما حديث: (من أفطر [يعني في السفر] فرخصة , ومن صام فالصوم أفضل) , فهو حديث شاذ لا يصح , والصواب أنه موقوف على أنس , كما بينته في الأحاديث الضعيفة , ولو صح , لكان نصاً في محل النزاع لا يقبل الخلاف , وهيهات , فلا بد حينئذ من الاجتهاد والاستنباط , وهو يقتضي خلاف ما أطلقه هذا الحديث الموقوف , وهو التفصيل الذي ذكرته , والله الموفق.
جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان
219 - (كَانَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَنَا صَائِمَةٌ: يعني عائشة).
¥