والأخرى: مشروعية تعليم المرأة الكتابة , ومن أبواب البخاري في الأداب المفرد: باب الكتابة إلى النساء وجوابهن , ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبدالله قال: (حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت: قلت لعائشة – وأنا في حجرها , وكان الناس يأتونها من كل مصر , فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها , وكان الشباب يتأخوني فيهدون إلي , ويكتبون إلي من الأمصار , فأقول لعائشة – ياخالة هذا كتاب فلان وهديته , فتقول لي عائشة: أي بنية , فأجيبيه وأثيبيه , فإن لم يكن عندك ثواب , أعطيتك , فقالت: فتعطيني).
وقال المجد ابن تيمية في منتقى الأخبار عقب الحديث: (وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة).
وتبعه على ذلك الشيخ عبدالرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في المطلع , ثم الشوكاني في شرحه وقال: (وأما حديث: [لا تعلموهن الكتابة , ولا تسكنوهن الغرف , وعلموهن سورة النور) , فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد).
قلت: وهذا الكلام مردود من وجهين:
الأول: أن الجمع الذي ذكره يشعر أن حديث النهي صحيح , و إلا لما تكلف التوفيق بينه وبين هذا الحديث الصحيح ,وليس كذلك , فإن حديث النهي موضوع كما قال الذهبي , وطرقه كلها واهية جداً , وبيان ذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة , فإذا كان كذلك , فلا حاجة للجمع المذكور , ونحو صنيع الشوكاني هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح: (إنه أصح من حديث النهي) , فإنه يوهم أن حديث النهي صحيح أيضاً , أو على الأقل: هو قريب من الصحة.
والآخر: لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم , لم يكن هنالك فائدة من تخصيص النساء بالنهي , لأن الخشية لا تختص بهن , فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضرراً في دينه وخلقه , أفينهى أيضاً الرجال أن يتعلموا الكتابة؟ بل وعن تعلم القراءة أيضاً , لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية.
والحق أن الكتابة والقراءة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى على البشر , كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) العلق1 - 4 , وهي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم , وأراد منهم استعمالها في طاعته , فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته , فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه , كنعمة البصر والسمع والكلام وغيرها , فكذلك الكتابة والقراءة , فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها , شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية , كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضاً , فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث.
والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث , وما يجوز لهم جاز لهن , ولا فرق , كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال) , وهو مخرج في صحيح أبي داود , فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه , وهو مفقود فيما نحن فيه , بل النص على خلافه , وعلى وفق الأصل , وهو هذا الحديث الصحيح , فتشبث به , ولا ترض به بديلاً , وتصغ إلى من قال:
ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة
هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة
فإن فيه هضماً لحق النساء وتحقيراً لهن , وهن كما عرفت شقائق الرجال , نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها.
وجه المرأة ليس بعورة والأفضل والأورع ستره
332 – (لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر في مروطنا , وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض).
أخرجه أبو يعلي عن عمرة بنت عبدالرحمن أن عائشة قالت: (فذكره).
والحديث في الصحيحين دون ذكر الوجه , ولذلك أوردته , وهي زيادة مفسرة , لا تعارض رواية الصحيحين , فهي مقبولة.
وهو دليل ظاهر على أن وجه المرأة ليس بعورة , والأدلة على ذلك متكاثرة.
ومعنى كونه ليس بعورة: أنه يجوز كشفه , وإلا , فالأفضل والأورع ستره , لا سيما إذا كان جميلاَ , وأما إذا كان مزيناً , فيجب ستره قولاً واحداً , ومن شاء تفصيل هذا الإجمال , فعليه بكتابنا حجاب المرأة المسلمة , فإنه جمع فأوعى , وقد نشر والحمد لله باسم جلباب المرأة المسلمة , مع مقدمة مفيدة وتحقيقات جديدة.
المرأة أحق بولدها ما لم تزوج
¥