قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد مولى بني أمية كأنه مجهول، لم يذكروا فيه شيئاً سوى أن الأزدي تركه، وقد ذكر تمام أن اسم أبيه صالح، وهذه فائدة لم يذكروها في ترجمته، وكذلك لم يذكروا اسم والد شيخه جناح، وقد سماه تمام عباداً، وترجمته ابن أبي حاتم (1/ 1/537) برواية جماعة من الثقات عنه، وأورده ابن حبان في (الثقات) (4/ 118).
وعنبسة بن سعيد، الظاهر أنه أبان ابن سعيد بن العاص أبو خالد الأموي، وثقه الدار قطني.
والحديث عزاه السيوطي للطبراني في ((الكبير)).وقال المناوي:
(قال الهيثمي: وفيه جماعة لم أعرفهم)).
قلت: ما فيهم مجهول سوى حماد، فتنبه.
لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت، وبعضها حسن لذاته، وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وصححه الحاكم والذهبي.
وروي من حديث عبدا لله بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن جده مرفوعاً.
رواه الطحاوي (2/ 403). ومن حديث عبادة بن الصامت.
أخرجه أحمد (5/ 327).
وسيأتي تخريج حديث الأنصاري برقم (820).
ثم وقفت له على شاهد مرسل قوي، ورواه عبد الرزاق (9/ 125/16607) بسند صحيح عن طاوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه، وسيأتي لفظه (ص473).
ثم روى نحوه عن عكرمة مرسلا بلفظ: (( ... وصية في مالها ... )).
وفيه رجل لم يسم.
قلت: وهذا الحديث-وما أشرنا إليه مما في معناه-يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج-إذا كان مسلماً صادقاً- أن يستغل هذا الحكم-فيتجبر على زوجته ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلي القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضاً. فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به. فتأمل.
كتاب المرض والطب والعيادة و الجنائز والقبور
ماذا يقول إذا مر بقبر كافر
18 - (حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كافر فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ).
رواه الطبراني عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال: إن أبي كان يصل الرحم , وكان , وكان , فأين هو؟ قال: في النار. فكأن الأعرابي وجد من ذلك , فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ قال: (فذكره). قال: فأسلم الأعرابي بعد , فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً: ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه , ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره , ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن , وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر , حيث ارتكب ذنباً عظيماً تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت , وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به , الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء48 , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وقد خلقك) متفق عليه.
وإن الجهل بهذه الفائدة مما أدي ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها , فإننا نعلم أن كثيراً من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة , فلا يكتفون بذلك , حتى يقصدون زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل , ويقفون أمامها خاشعين محزونين , مما يشعر برضاهم عنهم , وعدم مقتهم إياهم , مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك , كما في هذا الحديث الصحيح , واسمع قول الله عز وجل: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا) الممتحنة4.
هذا موقفهم منهم وهم أحياء , فكيف وهم أموات؟
¥