قلت: فينبغي أن لا يأخذ كلامه علي الأحاديث الا بعد التثبت من صحته وعدم شذوذه , شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به , وعلم الكلام الذي يخالف السلف فيه , فقد قال ابن عبد الهادي بعد ان وصفه بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع: (ولكن تبين لي منه إنه جهمي جلد , لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل , كالخالق والحق , وسائر الاسماء عنده لا يدل علي معنى أصلاً , كرحيم والعليم والقدير ونحوها , بل العلم عنده هو القدرة، والقدرة هي العلم , وهما عين الذات , ولا يدل العلم على شئ زائد على الذات المجردة أصلاً , وهذا عين السفسطة والمكابرة , وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق و الفلسفة , وأمعن في ذلك , فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة).
غريب الحديث:
الحر: الفرج , والمراد: الزنا.
المعازف: جمع معزفة، وهي آلات الملاهي، كما في (الفتح).
علم: هو الجبل العالي.
يروح عليهم: بحذف الفاعل , وهو الراعي، بقرينة المقام , إذ السارحة لا بد لها من حافظ.
بسارحة: هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها.
يروح: أي: ترجع بالعشي إلى مألفها.
يأتيهم لحاجة: بيانه في رواية الإسماعيلي في (مستخرجه على الصحيح): (يأتيهم طالب حاجة).
فيبيتهم الله: أي يهلكهم ليلاً.
ويضع العلم: أي: يوقعه عليهم.
يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها:
أولاً: تحريم الخمر , وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين والحمد لله , غير أن طائفة منهم – وفيهم بعض المتبوعين – خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة , وأما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة , مثل (السكر: وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ , و (الجعة): وهو نبيذ الشعير و (السكركة): وهو خمر الحبشة من الذرة , فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه , أما القليل منه فحلال , بخلاف خمر العنب , فقليله ككثيره في التحريم.
وهذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر , كقول عمر رضي الله عنه: (نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ). وكقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خمر حَرَامٌ). وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).
أقول: هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص وغيرها , فهو مخالف للقياس الصحيح والنظر الرجيح , إذ أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره , وبين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر؟ وهل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر؟ فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك والعلة واحدة؟
تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم , وأعجب منه أن الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس والرأي.
قال ابن القيم في (تهذيب السنن) (5/ 263) بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة: (فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمراً بالقياس مع كثرة النزاع فيه , فإذ قد ثبت تسميتها خمراً نصاً , فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولاً واحداً , فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم والقياس في الحكم , ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها , لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه وإن لم يسكر , وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه , وقليله يدعو إلى كثيره , وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة , فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات , وهو باطل , فلو لم يكن في المسألة إلا القياس , لكان كافياً في التحريم , فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها , ولا اشتباه في معناها؟ بل هي صحيحة , وبالله التوفيق).
¥