تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً , فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي , لأنه لا يمكن معرفته , إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة [الكحول] في الشراب , فرب شراب قليل كمية الكحول فيه كثيرة وهو يسكر , ورب شراب أكثر منه كمية الكحول فيه أقل لا يسكر , كما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين وصحتهم , كما هو ظاهر بين , وحكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب , وهي التي تقول: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) , و (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)

واعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معاً في بعض المذاهب , مما يوجب على المسلم البصير في دينه الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله وتفكيره وعقيدته لغير معصوم , مهما كان شأنه في العلم والتقوى والصلاح , بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب والسنة إن كان أهلاً لذلك , وإلا سأل المتأهلين لذلك , والله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل 43.

وبالإضافة إلى ذلك , فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم , فهو مأجور على خطئه , للحديث المعروف , لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه , وأما من وقف من أتباعهم على هذه الأحاديث المذكورة , فهو – ولا شك - على ضلال مبين , وهو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها , ولا يفيده شيئاً تسميته لما يشرب بغير اسمه , مثل: الطلاء , أوالنبيذ , أو الوسكي , أو الكونياك .... وغير ذلك من الأسماء التي أشار إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الأحاديث الكريمة.

وصدق الله العظيم إذ يقول: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) النجم 23.

ثانياً: تحريم آلات العزف والطرب , ودلالة الحديث على ذلك من وجوه:

أ- قوله (يَسْتَحِلُّونَ) , فإنه صريح بأن المذكورات – ومنها المعازف – هي في الشرع محرمة , فيستحلها أولئك القوم.

ب- قرن المعازف مع المقطوع حرمته: الزنا والخمر , ولو لم تكن محرمة , ما قرنها معها إن شاء الله تعالى.

وقد جاءت أحاديث كثيرة , بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذ , كالطبل والقنين – وهو العود – وغيرها , ولم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه , اللهم إلا الدف في النكاح والعيد , فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه , وقد ذكرته في ردي على ابن حزم.

ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها , واستثنى بعضهم – بالإضافة إلى ما ذكرنا – الطبل في الحرب , وألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية , ولا وجه لذلك البتة لأمور:

الأول: أنه تخصيص لأحاديث التحريم بدون مخصص سوى مجرد الرأي والاستحسان , وهو باطل.

الثاني: أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم , وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم , فذلك أدعى لطمانينة نفوسهم , وأربط لقلوبهم , فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم , ويصرفهم عن ذكر ربهم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال 45.

الثالث: أن استعمالها من عادة الكفار (الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) التوبة 29 , فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم , لا سيما فيما حرمه الله تبارك وتعالى علينا تحريماً عاماً , كالموسيقى.

ولا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة ألات الطرب والموسيقى , فإنهم – والله – عن تقليد يفتون , ولهوى الناس اليوم ينصرون , ومن يقلدون؟ إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب والملاهي , لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده , وقد عرفت أنه صحيح قطعاً , وأن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق بيانه , وليت شعري , ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة مع أنهم أفقه منه وأعلم وأكثر عدداً وأقوى حجة؟ لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو التحقيق العلمي ,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير