فنقول: فيها كل شئ , وهو الاستدراك على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ما ترك شيئاً يقربنا إلى الله إلا أمرنا به وشرعه لنا , فلو كان ذلك مشروعاً ليس فيه شئ , لفعله ولو مرة واحدة , وهل هذه الزيادة إلا كزيادة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العاطس بعد الحمد؟ وقد أنكرها عبد الله بن عمر رضي الله عنه , كما في (مستدرك الحاكم) , وجزم السيوطي في (الحاوي للفتاوي) بأنها بدعة مذمومة , وقال ابن عابدين في (الحاشية) , بكراهيتها , فهل يستطيع المقلدون الإجابة عن السبب الذي حمل السيوطي على الجزم بذلك؟ قد يبادر بعض المغفلين منهم فيتهمه – كما هي عادتهم – بأنه وهابي , مع أن وفاته كانت قبل وفاة محمد بن عبدالوهاب بنحو ثلاث مئة سنة.
ويذكرني هذا بقصة طريفة في بعض المدارس في دمشق , فقد كان أحد الأساتذة المشهورين من النصارى يتكلم عن حركة محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية , ومحاربتها للشرك والبدع والخرافات , ويظهر أنه أطرى في ذلك , فقال بعض تلامذته: يظهر أن الأستاذ وهابي.
وقد يسارع آخرون إلى تخطئة السيوطي , ولكن , أين الدليل؟ والدليل معه , وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) , متفق عليه , وهو مخرج في (غاية المرام) , وفي الباب غيره مما سنجمعه في كتابنا الخاص بالمحدثات , والمسمى بـ (قاموس البدع) نسأل الله تعالى أن ييسر لنا إتمامه بمنه وفضله.
من مكارم الأخلاق
72 - (أحب للناس ما تحب لنفسك).
73 - (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ [مِنْ الْخَيْرِ]).
وأعلم أن هذه الزيادة [مِنْ الْخَيْرِ] زيادة هامة تحدد المعنى المراد من الحديث بدقة , إذ إن كلمة [الْخَيْرِ] كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية وتخرج المنهيات , لأن اسم الخير لا يتناولها كما هو واضح , فمن كمال خلق المسلم أن يحب لأخيه المسلم من الخير مثلما يحب لنفسه , وكذلك أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر , وهذا وإن لم يذكر في الحديث , فهو من مضمونه , لأن حب الشئ مستلزم لبغض نقيضه , فترك التنصيص عليه اكتفاء , كما قال الكرماني , ونقله الحافظ في (فتح الباري) وأقره.
وقد عزا هذه الزيادة بعض المخرجين للشيخين , وذلك من جهلهم بهذا العلم.
من آداب الرؤيا
119 - (لَا تَقُصُّوا الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ).
أخرجه الترمذي والدارمي عن يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (فذكره).
وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه زيادة توضح سبب هذا النهي وهو:
120 - (إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا راى أحدكم رؤيا، فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما).
والحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر , ولذلك أرشدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم , لأن المفروض فيهما أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها , فيقع على وفق ذلك , لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا , ولو على وجه , وليس خطأ محضاً , وإلا , فلا تأثير له حينئذ , والله أعلم.
وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في كتاب التعبير من صحيحه بقوله (بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ) , ثم ساق حديث الرجل الذي رأى في المنام ظلة , وعبرها أبوبكر الصديق , ثم قال: فأخبرني يارسول الله بأبي أنت , أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
121 - (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا).
وهو من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ولفظه:
¥