قلت: ومن ذلك يتبين لنا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول من وضع أصل توحيد الموازين والمكاييل , ووجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين المفضلين: مكة المكرمة والمدينة المنورة.
فليتأمل العاقل هذا , ولينظر حال المسلمين اليوم واختلافهم في مكاييلهم وموازينهم , على أنواع شتى , بسبب هجرهم لهذا التوجيه النبوي الكريم , ولما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية المسلمة بسوء هذا الاختلاف , اقترح البعض عليهم توحيد ذلك وغيره كالمقاييس بالرجوع إلى عرف الكفار فيها , فوا أسفاه , لقد كنا سادة وقادة لغيرنا بعلمنا وتمسكنا بشريعتنا , وإذا بنا اليوم أتباع ومقلدون , ولمن؟ لمن كانوا في الأمس القريب يقلدوننا , ويأخذون العلوم عنا , ولكن لا بد لهذا الليل من أن ينجلي , ولا بد للشمس أن تشرق مرة أخرى , وها قد لا حت تباشير الصبح , وأخذت بعض الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها , بعد أن كانت فيها عالة على غيرها , ولعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها وسنة نبيها , ولله في خلقه شؤون.
التحذير من ترك كلمة الحق
168 - (لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ [أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ]).
وفي هذا الحديث: النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفاً من الناس , أو طمعاً في المعاش , فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء , كالضرب والشتم وقطع الرزق , أو مخافة عدم احترامهم إياه , ونحو ذلك , فهو داخل في النهي ومخالف للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا كان هذا حال من يكتم الحق وهو يعلمه , فكيف يكون حال من لا يكتفي بذلك , بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء , ويتهمهم في دينهم وعقيدتهم , مسايرة منه للرعاع , أو مخافة أن يتهموه هو أيضاً بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم واتهامهم؟ فاللهم ثبتنا على الحق , وإذا أردت بعبادك فتنة , فاقبضنا إليك غير مفتونين.
من أدب المجالسة والمباحثة
170 - (إِذَا قُلْتَ لِلنَّاسِ أَنْصِتُوا وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فَقَدْ أَلْغَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ [يعني: يوم الجمعة]).
رواه الإمام أحمد , ثنا عبد الرزاق بن همام , ثنا معمر بن همام عن بي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
قلت: فذكر أحاديث كثيرة هذا أحداها. وهذا سند صحيح علي شرط الشيخين وقد أخرجاه في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب , فقد لغوت).
أَلْغَيْتَ ,أي: قلت اللغو وما لا يحسن من الكلام , قال الراغب الأصبهاني في المفردات: (اللغو من الكلام ما لا يعتد به , وهو الذي يورد لا عن روية فكر , فيجري مجرى اللغا , وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور , قال أبو عبيدة: لغو ولغا , نحو عيب وعاب , وأنشدهم: عن اللغا ورفث التكلم , يقال: لغيت تلغى , نحو , لقيت تلقى , وقد يسمى كل كلام قبيح لغواً).
قلت: وفي الحديث التحذير من الإخلال بأدب رفيع من آداب الحديث والمجالسة , وهو أن لا يقطع على الناس كلامهم , بل ينصت هو حتى ينتهي كلامهم , وإن كان كبير القوم , ثم يتكلم هو بدوره إن شاء ,فذلك أدعى إلى حصول الفائدة من الكلام المتبادل بين الطرفين , لا سيما إذا كان في بحث علمي شرعي , وقد أخل – مع الأسف – بهذا الأدب أكثر المتباحثين , فإليه نلفت أنظارهم , أدبنا الله تعالى جميعاً بأدب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم وقفت على الحديث في صحيفة همام بن منبه التي يرويها الحافظ الثقة أحمد بن يوسف السلمي (رقم 120) حدثنا عبدالرازاق به , وزاد ما استدركته في هذه الطبعة وجعلته بين المعكوفتين في متن الحديث , وكذلك هي في مصنف عبدالرزاق (3/ 223/5418) من كتاب الجمعة , وهي من رواية الدبري عنه وفيها كلام , فالعمدة على رواية السلمي عنه.
وحينئذ , فالحديث لا علاقة له بما كنا عنوناً عنه , بل هو كحديث سعيد بن المسيب وغيره عن أبي هريرة , فاقتضى التنبيه , والله أعلم.
الصحة خير من الغنى
174 - (لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيْرٌ مِنْ الْغِنَى وَطِيبُ النَّفْسِ مِنْ النَّعِيمِ).
¥