تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

185 - (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ فَقُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ هَكَذَا وَبَسَطَ كَفَّهُ وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ).

وقد ذهب إلى الحديث الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه , فقال المروزي في المسائل: (قلت: - يعني لأحمد -: يسلم على القوم وهم في الصلاة؟ قال: نعم , فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر: كيف كان يرد؟ قال: كان يشير , قال إسحاق: كما قال).

واختار هذا بعض محققي المالكية , فقال القاضي أبوبكر بن العربي في العارضة: (قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام لأمر ينزل بالصلاة , وقد تكون في الحاجة تعرض للمصلي , فإن كانت لرد السلام , ففيها الآثار الصحيحة , كفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قباء وغيره , وقد كنت في مجلس الطرطوشي , وتذاكرنا المسألة , وقلنا الحديث , واحتججنا به , وعامي في آخر الحلقة , فقام وقال: ولعله كان يرد عليهم نهياً لئلا يشغلوه , فعجبنا من فقهه , ثم رأيت بعد ذلك أن فهم الراوي أنه كان لرد السلام قطعي في الباب , على حسب ما بيناه في أصول الفقه).

ومن العجب أن النووي بعد أن صرح في الأذكار بكراهة السلام على المصلي قال ما نصه: (والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة , ولا يتلفظ بشئ).

أقول: ووجه التعجب أن استحباب الرد منه , يستلزم استحباب السلام عليه , والعكس بالعكس , لأن دليل الأمرين واحد , وهو هذا الحديث وما في معناه , فإذا كان يدل على استحباب الرد , فهو في الوقت نفسه يدل على استحباب الإلقاء , فلو كان هذا مكروهاً , لبينه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولو بعدم الإشارة بالرد , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , وهذا بين ظاهر , والحمد لله.

ومن ذلك أيضاً السلام على المؤذن وقارئ القرآن , فإنه مشروع , والحجة ما تقدم , فإنه إذا ثبت استحباب السلام على المصلي , فالسلام على المؤذن والقائ أولى وأحرى , وأذكر أنني كنت قرأت في المسند حديثاً فيه سلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جماعة يتلون القرآن وكنت أود أن أذكره بهذه المناسبة وأتكلم على إسناده , ولكنه لم يتيسر لي الآن.

وهل يردان السلام باللفظ أم بالإشارة؟ الظاهر الأول , قال النووي: (وأما المؤذن , فلا يكره له رد الجواب بلفظ المعتاد , لأن ذلك يسير , لا يبطل الأذان ولا يخل به).

ومن ذلك تكرار السلام بعد حصول المفارقة , ولو بعد مدة يسيرة , لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

186 - (إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا).

وقد ثبت أن الصحابة كانوا يفعلون بمقتضى هذا الحديث الصحيح , فروى البخاري في "الأدب"عن أنس بن مالك: (أن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يكونون , فتستقبلهم الشجرة , فتنطلق طائفة منهم عن يمينها وطائفة عن شمالها , فإذا التقوا , سلم بعضهم على بعض).

ويشهد له حديث المسئ صلاته المشهور عن أبي هريرة: (إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل المسجد فدخل رجل فصلى , ثم جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السلام , قال: ارجع فصل فإنك لم تصل , فرجع الرجل فصلى كما كان صلى , ثم جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه [فعل ذلك ثلاث مرات]) , أخرجه الشيخان وغيرهما , وبه استدل صديق حسن خان في نزل الأبرار على أنه: (إذا سلم عليه إنسان , ثم لقيه على قرب , يسن له أن يسلم عليه ثانياً وثالثاً).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير