وفي الحديث أيضاً فائدة هامة , وهي الإشارة إلى إن النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط إنما هو مطلق , يشمل الصحراء والبنيان , لأنه إذا أفاد الحديث أن البصق تجاه القبلة لا يجوز مطلقاً فالبول والغائط مستقبلاً لها لا يجوز بالأولى , فمن العجائب إطلاق النووي النهي في البصق , وتخصيصه في البول والغائط (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق 37
تحريم مصافحة النساء
226 - (لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له , ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء , لأن ذلك مما يشمله المس دون شك , وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر , وفيهم بعض أهل العلم , ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم , لهان الخطب بعض الشيء , ولكنهم يستحلون ذلك بشتى الطرق و التأويلات , وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جداً في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء , فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام.
بل إن بعض الأحزاب الإسلامية قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة المذكورة , وفرضت على كل حزبي تبنيه , واحتجت لذلك بما لا يصلح , معرضة عن الاعتبار بهذا الحديث والأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية المصافحة.
ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه ليجلس فيه غيره
228 - (لَا يَقُومُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَكِنْ أَفْسِحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ).
وللحديث شاهدان ذكرهما الحافظ في الفتح , وفاته هذا الحديث المشهود له , فقال تعليقاً على قول البخاري: (وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه) , قال: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بلفظ: (وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه , لم يجلس فيه) وكذا أخرجه مسلم.وعن ابن عمر قال: (لايقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه).
والحديث ظاهر الدلالة على أنه ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه ليجلس فيه غيره , يفعل ذلك احتراماًَ له , بل عليه أن يفسح له في المجلس وأن يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض , بخلاف ما إذا كان على الكرسي , فذلك غير ممكن , فالقيام والحالة هذه مخالف لهذا التوجيه النبوي الكريم , ولذلك كان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه , ثم يجلس هو فيه كما تقدم عن البخاري , والكراهة هو أقل ما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقُومُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ... ) , فإنه نفي بمعني النهي , والأصل فيه التحريم لا الكراهة , والله اعلم.
ثم إنه لا منافاة بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر المتقدم- (لايقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه) - في الصحيح , لأن فيه زيادة حكم عليه , والأصل أنه يؤخذ بالزائدة فالزائدة من الأحكام , وحديث ابن عمر إنما فيه النهي عن الإقامة , وليس فيه نهي الرجل عن القيام , بخلاف هذا الحديث , ففيه هذا النهي , وليس فيه النهي الأول إلا ضمناً , فإنه إذا كان قد نهي عن القيام , فلأن ينهى عن الإقامة من باب أولى , وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى , وعليه يدل حديث ابن عمر , فإنه مع إنه روى النهي عن الإقامة , كان يكره الجلوس في مجلس من قام عنه له , وإن كان هو لم يقمه , ولعل ذلك سداً للذريعة وخشية أن يوحى إلى الجالس بالقيام , ولو لم يقمه مباشرة , والله أعلم.
من أدب المجلس
330 - (كُنَّا إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي).
وفي الحديث تنبيه على آداب المجالس في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طالما أهمله الناس اليوم حتى أهل العلم , وهو أن الرجل إذا دخل المجلس , يجلس فيه حيث ينتهي به المجلس , ولو عند عتبة الباب , فإذا وجد مثله , فعليه أن يجلس فيه ولا يترقب أن يقوم له بعض أهل المجلس من مجلسه , كما يفعل بعض المتكبرين من الرؤساء , والمتعجرفين من المتمشيخين , فإن هذا منهي عنه صراحة في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا) , أخرجه مسلم , وزاد في رواية: (وكان ابن عمر إذا قام له رجل من
¥