وما ذكره من النهي هو الذي ترجم به البخاري في صحيحه للحديث , فقال: (بَاب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّه).
وتقدمه إلى ذلك الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام , فقال بعد أن ذكر قول البعض المشار إليه: (والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول , لأن الذي هجي به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان شطر بيت , لكان كفراً , فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه , ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرأن وعن ذكر الله , فيكون الغالب عليه , فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه , فليس جوفه ممتلئاً).
تحريم لبس الذهب والحرير
337 – (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر , فلا يلبس حريراً ولا ذهباً).
وفي الحديث دلالة بينة على تحريم الذهب والحرير , وهو بعمومه يشمل النساء مع الرجال , إلا أنه قد جاءت أحاديث تدل على أن النساء مستثنيات من التحريم , كالحديث المشهور: (هَذَان حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي , حل لإناثها).
إلا أن هذا ليس على عمومه , فقد جاءت أحاديث صحيحة تحرم على النساء جنساً معيناً من الذهب , وهو ما كان طوقاً أو سواراً أو حلقة , وكذلك حرم عليهن الأكل والشراب في آنية الذهب كالرجال , راجع الأدلة في " آداب الزفاف ".
فبقي الحرير وحده مباحاً لهن إباحة مطلقة , لم يستثن منه شئ.
نعم , قد استثني من جنس المباح لهن أمهات المؤمنين , فقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه منع أهله منه , كما في الحديث الآتي:
338 - (كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ وَيَقُولُ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهَا فِي الدُّنْيَا).
قال السندي في " حاشية على النسائي: (وقوله: " أهل الحلية " , بكسر فسكون , الظاهر أنه يمنع أزواجه الحلية مطلقاً سواء كان من ذهب أو فضة , ولعل ذلك مخصوص بهم , ليؤثروا الآخرة على الدنيا , وكذا الحرير , ويحتمل أن المراد بـ" الأهل " الرجال من أهل البيت , فالأمر واضح).
قلت: هذا الاحتمال بعيد غير متبادر , فالاعتماد على ما ذكره أولاً , والله أعلم.
وأقول: فهذا الحديث يدل على مثل ما دل عليه الحديث المشهور الذي سبق آنفاً من إباحة الحرير لسائر النساء , إلا أنه قد يقال: إن الأولى بهن الرغية عنه وعن الحلية مطلقاً تشبهاً بنسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لا سيما وقد ثبت عنه أنه قال:
339 - (ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر).
نقل المناوي في معنى الحديث عن " مسند الفردوس ":
(يعني: يتحلين بحلي الذهب , ويلبسن الثياب المزعفرة , ويتبرجن متعطرات متبخترات – كأكثر نساء زمننا – فيفتن بهن).
سبب النهي عن المشي في نعل واحدة
348 - (إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة).
أخرجه الطحاوي عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فذكره).
وهذا الحديث في " الصحيحين " , وغيرهما من طريق أبي الزناد عن الأعرج به بلفظ: (لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا او ليخلعهما جميعاً) , وله شاهد من حديث جابر مرفوعاً بلفظ: (لَا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ) , أخرجه مسلم , وأحمد , وغيرهما.
قلت: فالحديث في النهي عن المشي في نعل واحدة صحيح مشهور , وإنما خرجت حديث الطحاوي هذا لتضمنه علة النهي , فهو يرجح قولاً واحداً من الأقوال التي قيلت في تحديدها , فجاء في الفتح: (قال الخطابي: الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه , فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه , ولا يأمن مع ذلك من العثار. وقيل: لأنه لم يعدل بين جوارحه , وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه. وقال ابن العربي: قيل العلة فيها أنها مشية الشيطان , وقيل: لأنها خارجة عن الاعتدال. وقال البيهقي: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه. وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس. فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب).
¥