فأقول: الصحيح من هذه الأقوال هو الذي حكاه ابن العربي: أنها مشية الشيطان , وتصدره إياه بقوله " قيل " , مما يشعر بتضعيفه , وذلك معناه أنه لم يقف على هذا الحديث الصحيح المؤيد لهذا الـ" قيل " , ولو وقف عليه , لما وسعه إلا الجزم به , وكذلك سكوت الحافظ عليه يشعرنا أنه لم يقف عليه أيضاً , وإلا لذكره على طريقته في جمع الأحاديث , وذكر أطرافها المناسبة للباب , لا سيما وليس في تعيين العلة وتحديدها سواه.
فخذها فائدة نفيسة عزيزة ربما لا تراها في غير هذا المكان , يعود الفضل فيها إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي , فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون عشرات الكتب الأخرى لغيره.
تنبيه: أما الحديث الذي رواه ليث عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (ربما مشى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نعل واحدة) , فهو ضعيف لا يحتج به.
فإذا عرفت هذا , فلا يجوز معارضة حديث الباب بهذا الحديث الواهي , كما فعل بعض أهل الجهل بالآثار , فيما ذكره الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى , وبخاصة أنه رواه سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم به عن عائشة موقوفاً عليها , وهذا أصح كما قال الترمذي.
تحريم الصورة واقتناء الكلب لأنهما سبب لمنع دخول الملائكة
356 - (أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالُ رَجُلٍ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ يُقْطَعْ فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ [وفي رواية إن في البيت ستراً في الحائط فيه تمثال فاقطعوا رؤوسها فجعلوها بساطاً او وسائد فأوطئوه , فإنا لا ندخل بيتاً فيه تمثال] , فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ تُوطَآَنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجَ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا الْكَلْبُ جَرْوٌ كَانَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَام تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمَا قَالَ وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَوْ رَأَيْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه).
أخرجه أحمد والسياق له , وأبو داود , والترمذي , وابن حبان من طريق يُونُسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فذكره).
فقه الحديث:
الأول: تحريم الصورة , لأنها سبب لمنع دخول الملائكة , والأحاديث في تحريمها أشهر من أن تذكر.
الثاني: أن التحريم يشمل الصورة التي ليست مجسمة ولا ظل لها , لعموم قول جبريل عليه السلام: (فإنا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل) , وهي الصور , ويؤيده أن التماثيل التي كانت على القرام لا ظل لها , ولا فرق في ذلك بين ما كان منه تطريزاً على الثوب أو كتابة على الورق أو رسماً بالآلة الفوتوغرافية , إذ كل ذلك صورة وتصوير , والتفريق بين التصوير اليدوي والتصوير الفوتوغرافي – فيحرم الأول دون الثاني – ظاهرية عصرية , وجمود لا يحمد , كما حققته في " آداب الزفاف ".
الثالث: أن التحريم يشمل الصورة التي توطأ أيضاً إذا تركت على حالها ولم تغير بالقطع , وهو الذي مال إليه الحافظ في " الفتح ".
الرابع: أن قوله: (حتي تصير كهيئة الشجرة) , دليل على أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة , إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة , فيغيرها حتى تصير على هيئة أخرى مباحة كالشجرة.
وعليه , فلا يجوز استعمال الصورة , ولو كانت بحيث لا تعيش لو كانت حية كما يقول بعض الفقهاء , لأنها في هذه الحالة لا تزال صورة اسماً وحقيقة , مثل الصورة النصفية وأمثالها , فاعلم هذا , فإنه مما يهم المسلم معرفته في هذا العصر الذي انتشرت فيه الصور وعمت وطمت , وأن شئت زيادة التحقيق في هذا فراجع المصدر السابق (ص 111 – 112).
¥