الخامس: فيه إشارة إلى أن الصورة إذا كانت من الجمادات , فهي جائزة , ولا تمنع من دخول الملائكة , لقوله: (كهيئة الشجرة) , فإنه لو كان تصوير الشجرة حراماً كتصوير ذوات الأرواح , لم يأمر جبريل عليه السلام بتغييرها إلى صورة شجرة , وهذا ظاهر , ويؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه: (وإن كنت لا بد فاعلاً , فاصنع الشجرة , وما لا نفس له) , رواه مسلم , وأحمد.
السادس: تحريم اقتناء الكلب , لأنه أيضاً سبب يمنع من دخول الملائكة , وهل يمنع منه لو كان كلب ماشية أو صيد؟ الظاهر لا , لأنه يباح اقتناؤه.
ويؤيده أن الصورة إذا كانت مباحة لا تمنع أيضاً من دخول الملائكة , بدليل أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقتني لعب البنات , وتلعب بها هي ورفيقاتها على مراى من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فلا ينكرها عليها , كما ثبت في " صحيح البخاري " وغيره , فلو كان ذلك مانعاً من دخول الملائكة , لما أقرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه , والله أعلم.
تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له
357 - (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الناس قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).
أخرجه البخاري في " الأدب " , وأبوداود , والترمذي , والطحاوي , واللفظ له , وأحمد , والدولابي , والمخلص , وعبد بن حميد , والبغوي , وأبو نعيم من طرق عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: " دخل معاوية بيتاً فيه عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عامر , فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير , وكان أدربهما – وفي رواية البخاري أرزنهما , ولعلها أصح – فقال معاوية: أجلس يا أبن عامر , فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (فذكره) , وقال الترمذي: حديث حسن.
قلت بل هو صحيح.
وله طريق أخرى , قال المخلص في " الفوائد " حدثنا عبدالله: نا داود: نا مروان: نا مغيرة بن مسلم السراج عن عبدالله بن بريدة قال: (خرج معاوية , فرآهم قياماً لخروجه , فقال لهم: اجلسوا , فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سره أن يقوم له بنو آدم , وجبت له النار).
قلت: وهذا إسناد صحيح.
وللحديث شاهد مرسل في قصة طريفة أخرجه من طريق عبدالرازق عن سليمان بن علي بن الجعد قال: سمعت أبي يقول: (لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر , فناظرهم على متاع كان معهم , ثم نهض المأمون لبعض حاجته , ثم خرج فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد , فإنه لم يقم , قال: فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب , ثم استخلاه , فقال: ياشيخ ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك؟ قال: أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قال: وما هو؟ قال علي بن الجعد: سمعت المبارك بن فضالة يقول: سمعت الحسن يقول: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فذكره بالفظ الأول) , قال: فأطرق المأمون متفكراً في الحديث , ثم رفع رأسه , فقال: لا يشترى إلا من هذا الشيخ , قال: فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار).
قلت: فصدق في علي بن الجعد – وهو ثقة ثبت – قول الله عز وجل: (وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق2.
ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في: المنتقى من المجالسة " حدثنا أحمد بن علي البصري قال: (وجه المتوكل إلى أحمد بن العدل وغيره من العلماء , فجمعهم في داره , ثم خرج عليهم , فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل , فقال المتوكل لعبيدالله: إن هذا الرجل لا يرى بيعتنا , فقال له: بلى يا أمير المؤمنين , ولكن في بصره سوء , فقال أحمد بن العدل: يا أمير المؤمنين ما في بصري من سوء , ولكنني نزهتك من عذاب الله تعالى , قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يمثل له الرجال قياماً , فليتبوا مقعده من النار , فجاء المتوكل , فجلس إلى جنبه).
وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " بسنده عن الأوزاعي: حدثني بعض حرس عمر بن عبدالعزيز قال: (خرج علينا عمر بن عبدالعزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة , فلما رأيناه , قمنا , فقال: إذا رأيتموني , فلا تقوموا , ولكن توسعوا).
فقه الحديث:
دلنا هذا الحديث على أمرين:
¥