تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له , وهو صريح الدلالة , بحيث إنه لا يحتاج إلى بيان.

والآخر: كراهية القيام من الجالسين للداخل , ولو كان لا يحب القيام , وذلك من باب التعاون على الخير , وعدم فتح باب الشر , وهذا معنى دقيق , دلنا عليه راوي الحديث معاوية رضي الله عنه , وذلك بإنكاره على عبدالله بن عامر قيامه له , واحتج عليه بالحديث , وذلك من فقهه في الدين , وعلمه بقواعد الشريعة , التي منها سد الذرائع , ومعرفته بطبائع البشر , وتأثرهم بأسباب الخير والشر فإنك إذا تصورت مجتمعاً صالحاً كمجتمع السلف الأول , لم يعتادوا القيام بعضهم لبعض , فمن النادر أن تجد فيهم من يحب هذا القيام الذي يرديه في النار , وذلك لعدم وجود ما يذكره به , وهو القيام نفسه , وعلى العكس من ذلك , إذا نظرت إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم , قد اعتادوا القيام المذكور , فإن هذه العادة , لا سيما مع الاستمرار عليها , فإنها تذكره به , ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه حتى تحبه , فإذا أحبه هلك , فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا القيام , حتى لمن نظنه أنه لا يحبه , خشية أن يجره قيامنا له إلى أن يحبه , فنكون قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز.

ومن الأدلة الشاهدة على ذلك أنك ترى بعض أهل العلم الذين يظن فيهم حسن الخلق , تتغير نفوسهم إذا ما وقع نظرهم على فرد لم يقم له , هذا إذا لم يغضبو عليه ولم ينسبوه إلى قلة الأدب , ويبشره بالحرمان من بركة العلم , بسبب عدم احترامه لأهله بزعمهم , بل إن فيهم من يدعوهم إلى القيام , ويخدعهم بمثل قوله: أنتم لا تقومون لي كجسم من عظم ولحم , وإنما تقومون للعلم الذي في صدري , كأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده لم يكن لديه علم , لأن الصحابة كانوا لا يقومون له , أو أن الصحابة كانوا لا يعظمونه التعظيم الأئق به , فهل يقول بهذا أو ذاك مسلم؟

ومن أجل هذا الحديث وغيره ذهب جماعة من أهل العلم إلى المنع من القيام للغير كما في الفتح " 11/ 41 " ثم قال: (ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس , ولو كان في شغل نفسه , فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها , فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس؟ فقال: أما التلقي , فلا بأس به , وأما القيام حتى يجلس , فلا , فإن هذا فعل الجبابرة , وقد أنكره عمر بن عبدالعزيز).

قلت: وليس في الباب ما يعارض دلالة هذا الحديث أصلاً , والذين خالفوا فذهبوا إلى جواز هذا القيام – بل استحبابه – استدلوا بأحاديث بعضها صحيح وبعضها ضعيف , والكل عند التأمل في طرقها ومتونها لا ينهض للاستدلال على ذلك ومن أمثلة القسم الأول حديث: (قوموا إلى سيدكم) , وقد تقدم الجواب عنه من وجوه , أقواه أنه صح بزيادة: (فأنزلوه) , فراجعه.

ومن أمثلة القسم الآخر حديث قيامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أقبل عليه أخوه من الرضاعة , فأجلسه بين يديه , فهو حديث ضعيف معضل الإسناد , ولو صح , فلا دليل فيه أيضاً , وقد بينت ذلك كله في " الأحاديث الضعيفة ".

358 - (ما كان في الدنيا شخص احب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه؛ لم يقوموا له؛ لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك).

وفي هذا الحديث ما يقوي مادل عليه الحديث السابق من المنع من القيام للإكرام , لأن القيام لو كان إكراماً شرعاً , لم يجز له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكرهه من أصحابه له , وهو أحق الناس بالإكرام , وهم أعرف الناس بحقه عليه الصلاة والسلام.

وأيضاً , فقد كره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا القيام له من أصحابه , فعلى المسلم – خاصة إذا كان من أهل العلم وذوي القدوة – أن يكره ذلك لنفسه , اقتداء به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وأن يكرهه لغيره من المسلمين , لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ) , فلا يقوم له أحد , ولا هو يقوم لأحد , بل كراهتهم لهذا القيام أولى بهم من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وذلك لأنهم إن لم يكرهوه , اعتادوا القيام بعضهم لبعض , وذلك يؤدي بهم إلى حبهم له , وهو سبب يستحقون عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير