النار , كما في الحديث السابق , وليس كذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فإنه معصوم من أن يحب مثل هذه المعصية , فإذا كان مع ذلك قد كره القيام له , كان واضحاً أن المسلم أولى بكراهته له.
جواز أكل لحوم الخيل
359 - (نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ).
وفي الحديث جواز أكل لحوم الخيل , وهو مذهب الأئمة الأربعة , سوى أبي حنيفة , فذهب إلى التحريم , خلافاً لصاحبيه , فإنهما وافقا الجمهور , وهو الحق , لهذا الحديث الصحيح , ولذلك اختاره أبو جعفر الطحاوي , وذكر أن حجة أبي حنيفة حديث خالد بن الوليد مرفوعاً: (لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير) , ولكنه حديث منكر ضعيف الإسناد , لا يحتج به إذا لم يخالف ما هو أصح منه , فكيف وقد خالف حديثين صحيحين كما ترى؟ وقد بينت ضعفه وعلله في " السلسلة الضعيفة ".
جواز الإشارة باليد إلى القمر
372 - (استَعيََّذِي بِاللَّهِ مِنْ هذا [يعني: القمر] فإنه الغَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ).
أخرجه الترمذي , والطحاوي , وابن السني , والحاكم , والطيالسي , وأحمد , من طرق عن ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِها فأشار بها إِلَى الْقَمَرِ فَقَال (فذكره).
في هذا الحديث دلالة على جواز الإشارة إلى القمر , خلافاً لما نقل عن بعض المشايخ من كراهة ذلك , والحديث يرد عليه.
تحريم لبس الحرير وشرب الخمر والشرب في أواني الذهب والفضة
384 - (من لبس الحرير في الدنيا؛ لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا؛ لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا؛ لم يشرب بها في الآخرة. ثم قال: لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة).
اعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير , وشرب الخمر , والشرب في أواني الذهب والفضة , هي أكثر من أن تحصر , وإنما احببت أن أخص هذا الحديث بالذكر , لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة , وساقها مساقاً واحداً , ثم ختمها بقوله: (لباس أهل الجنة ... ) , الذي يظهر أنه خرج مخرج التعليل , يعني: أن الله تعالى حرم لباس الحرير – على الرجال خاصة – لأنه لباسهم في الجنة كما قال تعالى (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) الحج23 , وحرم الخمر على الرجال والنساء , لأنه شرابهم في الجنة قال تعالى (مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ) محمد 15 , وحرم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضاً , لأنها آنيتهم قال تعالى (ادْخُلُواْ الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) الزخرف 71 , فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب , عوقب بحرمانه منها في الآخرة جزاء وفاقاً.
وما أحسن ما رواى الحاكم عن صفوان بن عبدالله بن صفوان قال: (استأذن سعد على ابن عامر , وتحته ورافق – وهي شئ يتكأ عليه شبيه بالوسادة – من حرير , فأمر بها فرفعت , فدخل عليه وعليه مطرف خز , فقال له: استأذنت علي وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت , فقال له: نعم الرجل أنت ياابن عامر إن لم تكن ممن قال الله عز وجل (ِ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا) الأحقاف 20 , والله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إلى من أن أضطجع عليها).صحيح على شرط مسلم.
واعلم أن الحرير المحرم إنما هو الحرير الحيواني المعروف في بلاد الشام بالحرير البلدي , وأما الحرير النباتي المصنوع من ألياف بعض النباتات , فليس من التحريم في شئ.
¥