((فبان لنا بحديث عائشة رضي الله عنها أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عنه أبو هريرة: ((ولد الزنا شر الثلاثة)) إنما كان لإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه، مما صار به كافرا شرا من أمه ومن الزاني الذي كان حملها به منه.والله تعالى نسأله التوفيق)).
قلت: ولكن في إسناد حديثها ما علمت من الضعف،وذلك يمنع من تفسير الحديث به، فالأولى تفسيره بقول سفيان المؤيد بحديثين مرفوعين ولو كانا ضعيفين،إلا أن يبدو لأحد ما هو أقوى منه فيصار حينئذ إليه.
ويبدو من كلام ابن القيم رحمه الله في رسالته ((المنار)) انه جنح إلي هذا التفسير، لان مؤداه إلي أن الحديث ليس على عمومه، فقد ذكر حديث ((لا يدخل الجنة ولد زنا)) الأتي عقب هذا،وحكا قول الجوزي انه معارض لأية (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
فقال:
((قلت: ليس معارض لها إن صح، فانه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل إن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص.وقد ورد في ذمه انه ((شر الثلاثة)) وهو حديث حسن،ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض، وهذا نطفة خبيثة، وشره من أصله،وشر الأبوين من فعلهما)).
(تنبيه): لقد تبين لكل ذي عين من هذا التخريج والتحقيق أن الحديث بهذه الطرق صحيح بلا ريب، وأقواها حديث سهيل، ولذلك قصر ابن الجوزي – ومن قلده – تقصيرا فاحشا بإيراده الحديث في ((موضوعاته)) (3/ 110) من رواية ابن عدي وحده ن ليتسنى له أن يقول;
)) فيه من لا يعرف)) يشير إلي شيخ ابن عدي فيه (حمزة بن داود الثقفي)، فخفيت عليه الطرق الأخرى من تخريج أبي داود وغيره،وقد سبقت الإشارة إليها،وهي عن جرير بن عبد الحميد وخالد الحذاء وأبي حذيفة والثوري ويعقوب بن عبدالرحمن،فهؤلاء الثقات رووه عن سهيل،ولقد تعامى عنها-مع الأسف- المعلق على ((سير الذهبي)) - كعادته فيما لا يوافق هواه من الحديث- فأوهم القراءه أن الحديث من رواية ابن عدي فقط المعللة وتشبث بتضعيف شيخه حمزة وشيخه، وهو واهم أيضا في ذلك،ولا داعي لمناقشته في ذلك، ففي تلك الطرق غنية عن المناقشة لو انصف.
673 - (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ {وَلَا وَلَدُ زِنْيَةٍ})
أخرجه الدارمي (2/ 112)،وكذا النسائي (2/ 332)،والبخاري في ((التاريخ الصغير)) (124)، وعبدا لرزاق في (المصنف) (2/ 205)،وابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص236)،وابن حبان (1382و1383)،و الطحاوي في ((المشكل)) (1/ 395)، واحمد (2/ 201 و203) من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابان عن عبدا لله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وليس للبخاري منه إلا الزيادة وقال:
((لا يعلم لجابان سماع من عبد الله،ولا لسالم سماع من جابان، ويروى عن علي بن زيد عن عيسى بن حطان عن عبد الله بن عمرو رفعه في أولاد الزنا،ولا يصح)).
وقال ابن خزيمة:
((ليس هذا خبر من شرطنا، لان جابان مجهول)).
ورواه محمد بن مخلد العطار في ((المنتقى من حديثه)) (2/ 15/1) من طريق عبد الله بن مرة عن جابان عن عبد الله بن عمرو به.
قلت: وعلة هذا الإسناد جابان هذا،فإنه لا يدرى من هو كما قال الذهبي؟ وإن وثقه ابن حبان على قاعدته.والزيادة التي في أخره منكرة، لأنها بظاهرها تخالف النصوص القاطعة بأن احد لا يحمل وزر احد،وأنه لا يجني احد على احد، وفي ذلك غير الآية أحاديث كثيرة خرجتها في ((الإرواء)) (2362)، ولذلك أنكرتها السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد روى عبد الرزاق (7/ 454/13860 و13861) عنها أنها كانت تعيب ذلك وتقول:
((ما عليه من وزر أبويه، قال الله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))).
وإسناده صحيح.
وقد رواه الطبراني في ((الأوسط)) (1/ 183 - 184) عنها مرفوعا.
وفي إسناده من لم اعرفه.وكذا قال الهيثمي (6/ 257).
وقال البيهقي (10/ 58) عقب الموقوف:
((رفعه بعض الضعفاء، والصحيح موقوف)).
ومن هذا تعلم أن قول السخاوي فيما نقله ابن عراق عنه (2/ 228):
((أخرجه الطبراني من حديث عائشة، وسنده جيد)).
فهو غير جيد.
ثم عرفت الذي رفعه، وانه ضعيف كما أشار إلي ذلك البيهقي، فخرجت الحديث في ((الضعيفة)) (6115).
¥