وبخاصة أنَّه أنا شخصياً -كما هو معلوم- أعجمي الأصل، فأنا أتهم نفسي، والعرق دسَّاس، ولذلك عندما يكون هناك نصٌ يحتمل أكثر من وجه فأنا أجبن حينذاك إلا أن يكون لي سلف، أمَّا إذا كان الأمر واضحاً مثل ما جرى البحث آنفاً في قوله تعالى: {وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها}، هذه ما بدها مين سبقنا بالقول بحيوا بأحسن منها، عرفت كيف؟ لأنه هذا نصٌ صريح، وفي مثل هذا يقول الإمام الشافعي -رحمه الله- وكنت ذكرت نصه في ذلك في (آداب الزفاف)، حينما ناقشنا الجماعة الذين يقولون بأن الذهب كله حلال للنساء، نقلت كلام ابن القيم والإمام الشافعي إلى آخره، أن الحديث يثبت الحكم به لوحده وليس بحاجة أن يدعم بعمل بعض أهل العلم، وأنا أفهم من هذا الحديث الذي يكون هكذا واضحاً)) أنتهى كلامه رحمه الله.
الوجه الثاني: إذا كان كلام ابن تيمية وكلام الطحاوي لا يكفي فهذا كلام أخر لابن رشد في كتابه (بداية المجتهد) حيث قال: وأما الأيام المنهي عنها، فمنها أيضا متفق عليها، ومنها مختلف فيها. أما المتفق عليها فيوم الفطر ويوم الأضحى لثبوت النهي عن صيامهما. وأما المختلف فيها فأيام التشريق ويوم الشك ويوم الجمعة ويوم السبت والنصف الآخر من شعبان وصيام الدهر.
إلى أن قال:
وأما يوم السبت، فالسبب في اختلافهم فيه اختلافهم في تصحيح ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" أخرجه أبو داود، قالوا: والحديث منسوخ، نسخة حديث جويرية بنت الحارث "أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري.أنتهي كلامه.
وهذا كلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث يوضح أنَّه قد اختلف العلماء في حكم صيام يوم السبت فقال: (وأما السبت؛ فقيل: إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح، وقيل: إنه لا يجوز إلا في الفريضة، وقيل: إنه يجوز، لكن بدون إفراد) فقوله رحمه الله تعالى (لا يجوز إلا في الفريضة) يدلَّ على أنَّ هذا القول – النهي عن صيام السبت في غير الفرض – من أقوال المختلفين؛ وكما قالت في الرد السابق ليس من الضروري أن نعرف القائلون بعينهم.
هذا ما تبين لي والله تعالى اعلم.
ملاحظة: الأخ الكريم ارجوا أن يكون ردك في هذه الإشكالات فقد حتى تسهل علينا المباحثة.
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[09 - 02 - 06, 02:10 م]ـ
و فيك بارك الله أخي الكريم أبو سند، و عذرك مقبول و إن كنتَ لستَ مطالباً بالاعتذار، غفر الله لي و لك.
أخي الكريم قلتَ أنك قرأت بحثي وهذا أمر جيد لأنه سيغنيني عن نسخ الإشكالات التي عنَّت ببالي منه إلى موضوعك مما فيه إطالة لا داعي لها، أما اقتراحك بالتباحث في الإشكالات واحدة واحدة فهذا عين الصواب و هو مما تعلمناه من الشيخ رحمه الله، فعلى بركة الله.
الإشكال الأول: القائلون بالحرمة من السلف
لقد أجبتَ أخي الكريم على هذا الإشكال من وجهين:
الأول: وملخصُه أن الشيخ رحمه الله لا يمكن بحال أن يقول بقول ليس له فيه سلف و بخاصة إذا كان الدليل على هذا القول يحتمل أكثر من معنى.
الجواب: نعم أخي الكريم هذا هو مذهب الشيخ رحمه الله و قد بينت في نهاية بحثي تحت عنوان (رفع الملام عن الألباني الإمام) أنه قد أفنى عمره في الحث على اتباع الكتاب و السنة (بفهم سلف الأمة)، ولكن هذا لا يمنع أخي الكريم أن يعتريه ما يعتري البشر من سهو عن مذهبه هذا في مسألة أو أكثر، أو أن يقع في خطأ فيقول في مسألة بقول و هو يحسب أن له فيه سلفاً و يكون الأمر في حقيقته بخلاف ذلك، و هذا أمر لازم للبشر فهم غير معصومين و ليس في هذا انتقاص من قدر الشيخ رحمه الله، و لا مطعن لشانئيه فيه بسببه.
إذاً فحيث إن مخالف الشيخ رحمه الله يزعم أنه في هذه المسألة ليس له سلف وحيث إن هذا أمر ممكن الحدوث منه رحمه الله كما بيَّنا، فالواجب الآن أن نبحث في زعم المخالف لنرى أصاب في زعمه أم أخطأ.
¥