تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما النقل الذي نقلتَه عنه رحمه الله فقد أثبتُّه في بحثي في أول (الإشكال السادس فهم السلف) و ناقشتُ كلامه رحمه الله، و لكن ربما أنك قرأت البحث منذ زمن فلم تتنبه لذلك، و هو ما يدعوني أن أطلب منك إعادة قراءة الجزء من بحثي الذي نتناقش فيه حتى تحيط بجميع جوانب الإشكال الذي أذكره، و سأحاول اختصار الرد في نقاط ريثما ترجع إلى أصله هناك:

لقد عدَّ الشيخ رحمه الله حديث النهي واضح المعنى مثل قوله تعالى {و إذا حييتم ... } فمثل هذا لا يحتاج إلى وجود من سبقنا إلى القول بحرمته لأنه لا يحتمل إلا معنىً واحداً هو الحرمة.

الجواب:

1. كان الشيخ رحمه الله يقول قديماً بكراهة تخصيص السبت بالصيام كما في الإرواء ثم صار إلى القول بالحرمة مطلقاً، إذاً للحديث أكثر من معنىً و ليس معنىً واحداً فلا بد إذاً من فهم السلف، فهنا فهمان متضادان للحديث من الشيخ نفسه رحمه الله فلا بد لمعرفة أي قولي الشيخ هو الصواب من معرفة أيهما هو الموافق لكلام السلف.

2. كل الأئمة المصححين للحديث حملوا النهي فيه على الكراهة، فإن لم يكن هناك سوى فهم واحد و معنى واحد للحديث كما يقول رحمه الله فلا بد إذاً أن يكون هو الكراهة لا التحريم.

3. كون الأئمة المصححين للحديث حملوا النهي على الكراهة يعني أن الحديث يحتمل هذا المعنى ـ و إن كان القول بالكراهة خطأ ـ لأن خلاف ذلك يعني أن كل هؤلاء الأئمة لم يفهموا معنى الحديث مع كون معناه واضحاً كما يقول الشيخ، و هذا بعيد جداً كما أظنك توافقني، و عندها يكون الحديث على كلام الشيخ بحاجة إلى فهم من سلف لمعرفة الصواب من المعنيين.

4. الشيخ يقول أنه عند وجود نص يحتمل أكثر من معنىً لا يستطيع أن يقول بقول ليس له فيه سلف، إذاً إذا كان الصواب أن حديث النهي لا يحتمل أكثر من معنىً واحد كما يقول رحمه الله، ووجدنا كل الأئمة المصححين يقولون بالكراهة فكيف نستطيع القول بالحرمة؟ أليست هذه الحال أحق أن تخرج عن حدود الاستطاعة التي ذكرها رحمه الله؟

5. أما كلام الشافعي رحمه الله فمن خالف الشيخ رحمه الله من الذين يصححون حديث النهي لا يقولون نحن لا نعمل بهذا الحديث لأنه لم يعمل به أحد من أهل العلم، بل يقولون نحن نعمل بالحديث على فهم السلف و أنه للكراهة، و يطالبون بسلف للقول بالحرمة، و الفرق دقيق فأرجو أن تتنبه له أخي الكريم، فكلام الشافعي يتوجه لمن لا يعمل بحديث ما مع صحته لأن أحداً من أهل العلم لم يعمل به، و لا يتوجه للمعترضين على القول بالحرمة لأنهم يطالبون بفهم السلف للحديث على أنه للحرمة، أما العمل به فهو واقع منهم على فهم السلف و أنه للكراهة.

الوجه الثاني: و سقتَ فيه من كلام العلماء ما ترى أنه يدل على أن هناك من قال بالحرمة، فأقول مستعيناً بالله:

1. ليست المسألة أن كلام ابن تيمية و الطحاوي رحمهما الله لا يكفي، بل أنا أزعم أنه ليس في كلامهما أي إشارة إلى أن هناك من يقول بالحرمة فإن وافقتني فبين لي ذلك، و إلا فأرجو أن تناقشني في فهم كلامهما و في ذلك تحقيق لما طلبتَه بعدم تجاوز نقطة قبل تمام بحثها إلى غيرها.

2. أما كلام ابن رشد فلا غبار عليه و لكن ليس فيه ما تدعم به قولك و إلا فبين لي أين في كلامه يقول أن هناك من قال بالحرمة، لقد قال: " وأما يوم السبت، فالسبب في اختلافهم فيه اختلافهم في تصحيح ما روي ... " نعم، فمن لم يصحح الحديث قال بجواز صيامه على كل حال، و من صححه قال بكراهية إفراده أو تخصيصه بالصيام كما تعلم.

3. أما كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقد قلتَ: " فقوله رحمه الله تعالى (لا يجوز إلا في الفريضة) يدلَّ على أنَّ هذا القول – النهي عن صيام السبت في غير الفرض – من أقوال المختلفين "

أما كون النهي ـ و هو كما تعلم يكون للكراهة كما يكون للتحريم ـ من أقوال المختلفين فنعم، قال ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء 1/ 264 " وعلى هذا فيكون قوله لا تصوموا يوم السبت أي لا تقصدوا صيامه بعينه إلا في الفرض فإن الرجل يقصد صومه بعينه بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت ـ كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت ـ فإنه يصومه وحده، وأيضاً فقصده بعينه في الفرض لا يكره بخلاف قصده بعينه في النفل فإنه يكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه أو موافقته عادة فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا لا للمقارنة بينه وبين غيره وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك "

فهاهو ابن تيمية رحمه الله يذكر القول بكراهة قصد صيام السبت بعينه في النفل، و هذا معنى قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (لا يجوز إلا في الفريضة).

فإن قلتَ قوله (لا يجوز) معناه يحرم، قلتُ ليس بالضرورة لأن هذه العبارة تطلق على معنى يَحرم و على معنى يُكره، قال ابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي1/ 124 " ومعلوم من أصول الفقه وبين فقهاء هذه الأقطار أنه لا يلزم في نفي الجواز حصول التحريم، وأن انتفاء الجواز قد يكون بالكراهة، فالمكروه عندهم غير جائز ولا يقال إنه حرام " ا. هـ

ثم أقول لو سلمنا جدلاً ـ مع أنه غير مسلم ـ أن الشيخ رحمه الله يريد معنى (يحرم إلا في الفريضة) فأين فيه أنه ينسب ذلك للسلف؟ إن الشيخ رحمه الله يمكن أن يكون يحكي بذلك قول الشيخ الألباني أو الشيخ صديق حسن خان رحمهما الله، و المطلوب هو قول أحد من سلف الأمة لا غير.

4. أما قولك أنه ليس من الضروري أن نعرف القائلين بأعيانهم، فأقول لك أخي الكريم العبارة التي طالما سمعناها من الشيخ الألباني رحمه الله و رفع قدره في عليين " أثبت العرش ثم انقش " أي أننا نريد نقلاً واضحاً صريحاً عن السلف بالقول بالحرمة، ثم بعد ذلك ننظر في كون عين القائل معلومة لنا أم لا.

و بعد أخي الكريم ... فأحسب أنني قد أجبتك لما طلبت من الاقتصار في الرد على ما ذكرتَ مع عدم إغفال شيء، فأتمنى أن يأتي ردك كذلك عسى الله عز وجل أن يلهمني و إياك و القارئين الصواب في المسألة و ... دمت بعافية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير