ـ[ابو سند محمد]ــــــــ[16 - 02 - 06, 02:54 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله.
الأخ الكريم الكناني سدده الله تعالى
وبعد:
أخي أورد لك أمرين اعتقد أنهما الفيصل في هذا الإشكال – إن أنصفتني في الرد – أقول أمرين يحلان هذا الإشكال أن شاء الله تعالى:
الأمر الأول: اعلم أخي الكريم أن السلف الصالح كانوا يطلقون المكروه على الشيء المحرم تورعا، فكانوا يتورعون أن يقولوا على الشيء الذي ليس فيه نص مبين على تحريمه هذا حرام وإنما يقولون هذا مكروه وهذا هو الأصل , إذ الأصل عندهم في كلمة مكروه هي للتحريم , وانظر أخي إلى هذا الكلام من ابن القيم في إعلام الموقعين قال: (فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حصل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فقط، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث) انتهى.
فالأصل إذن أن كلمة مكروه للتحريم , ومن بقي على الأصل لا يطالب بدليل وإنما يطالب بدليل من خرج عن معنى الأصل إلى معنى أخر , فتكون أنت المطالب بإثبات أن كلمة مكروه لم يقصد بها التحريم , وإنما قصد بها غير ذلك , هذا هو الأمر الأول.
أما الأمر الثاني وهو انه يجب العمل بالدليل وإن لم يعرف أن أحداً عمل به , فالحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يكون أحد من الأئمة عمل به.
قال الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود) انتهى.
وقال ابن حزم في الإحكام (فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أن أحد قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان، ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى، ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به، بل أنكر على من قاله إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكراً عليهم أنهم قالوا: ((مَاسَمعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ)) ص7 , ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم، لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد والفتيا، فكلها محصور مضبوط، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم، فكل مسألة لم يرد فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله) انتهى.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله r موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده؟، فقالت طائفة من المتأخرين: ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا. وقال طائفة بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله r وحدث به بعضهم بعضاً بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط: هل عمل بهذا فلان وفلان، ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القول وسيرتهم وطول العهد بالسنة، وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله r لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن، ومزكيا لها، وشرطاً في العمل بها، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة وقد أمر النبي r بتبليغ سنته ودعا لمن بلَّغها، فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان) انتهى.
¥