ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[18 - 02 - 06, 05:29 ص]ـ
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
الأخ الحبيب أبو سند وفقه الله لما فيه رضاه
لقد قرأتُ ردك الأخير بتمعن ـ كما قرأتُ سابق ردودك و كما كنتُ أتمنى أن تقرأ بحثي و ردودي و لكن كما يقال ما كل ما يتمنى المرء يدركُهُ!! ـ و قد أتيتَ فيه بأمرين تعتقدُ أنهما الفيصل في إشكال (نقل التحريم عن السلف) و لكن بشرط أن أنصفك في الرد، و خلاصة الرد ذكرتها بقولك:
– الأصل في كلمة مكروه عند السلف للتحريم فمن خرج على الأصل وجب عليه الدليل , أما من بقي على الأصل فليس مطالب بدليل على بقائه على الأصل , وهذا واضح لكل عاقل.
أن الدليل -إن صح- وجب العمل به وإن لم نعلم أن احد من السلف عمل به إذ الدليل حجة بنفسه
فالجواب بحول الملك الوهاب:
قلتَ السلف الصالح كانوا يطلقون المكروه على الشيء المحرم تورعا، فكانوا يتورعون أن يقولوا على الشيء الذي ليس فيه نص مبين على تحريمه هذا حرام وإنما يقولون هذا مكروه
و أنت تقول أن حديث النهي ليس له سوى معنى واحد هو التحريم فإذا كان نصا مبيناً على تحريم صيام السبت فلماذا يتورعون عن قول حرام و يقولون هذا مكروه؟ هذه واحدة.
أما ما نقلته عن ابن القيم، فمحاورك لا ينكر أن السلف يطلقون الكراهة على الحرمة، و لكن كما أنهم يطلقون الكراهة و يعنون بها الحرمة ـ و هو الأكثر في كلامهم ـ فإنهم يطلقونها و يعنون بها التنزيه، و هذا هو الصواب، و لاتحسبن أنني ألقي الكلام على عواهنه، بل هذا مقتضى كلام الأئمة و منهم ابن القيم نفسه و إليك هذا الكلام الواضح:
بدائع الفوائد [جزء 4 - صفحة 812]
" وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه "
فهذا قوله في كلام الله و رسوله فكيف بكلام الأئمة؟ لذا يجب علينا أن نأخذ مجمل كلامه لنفهم مراده لا سيما أنه فيما نقلتَ عنه من إعلام الموقعين لم يقل أن المتقدمين كانوا يطلقون الكراهة على المحرم فقط، فتأمل.
و إليك التطبيق العملي من ابن القيم رحمه الله لفهمي لكلامه:
زاد المعاد [جزء 1 - صفحة 283]
" وقد اختلف الفقهاء في كراهته (أي تغميض العينين في الصلاة) فكرهه الإمام أحمد وغيره ... والصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهنالك لا يكره التغميض قطعا والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة والله أعلم. "
زاد المعاد [جزء 1 - صفحة 403]
" الثانية والثلاثون: أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم هذا منصوص أحمد ... قلتُ: المأخذ في كراهته: ثلاثة أمور ... الثاني: أنه يوم عيد وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم وقد أورد على هذا التعليل إشكالان أحدهما: أن صومه ليس بحرام و صوم يوم العيد حرام ... "
فأنت ترى أنه لم يفهم من كلام إمامه الإمام أحمد كراهة التحريم بل كراهة التنزيه.
و لمزيد من التوضيح أضرب لك هذه الأمثلة من إطلاق السلف للكراهة:
مجموع الفتاوى [جزء 24 - صفحة 31]
" ومن صلى أربعا لم يبطلوا صلاته لأن الصحابة أقروا من فعل ذلك منهم بل منهم من يكره ذلك ومنهم من لا يكرهه وإن رأى تركه أفضل وفى ذلك عن أحمد روايتان "
فالكراهة هنا للتنزيه كما هو ظاهر
مجموع الفتاوى [جزء 24 - صفحة 192]
" ومنهم من يقول يجوز مع الكراهة كقول مالك وأحمد "
مجموع الفتاوى [جزء 32 - صفحة 72]
" وأما إذا كان بينهما رحم غير محرم مثل بنت العم والخال فيجوز الجمع بينهما لكن هل يكره فيه قولان هما روايتان عن أحمد "
و لا يمكن أن يكون المعنى يجوز مع الحرمة، فدل أن الكراهة هنا للتنزيه
مجموع الفتاوى [جزء 21 - صفحة 7]
" إلا أحمد بن حنبل ... حتى إنه كره الخليطين إما كراهة تنزيه أو تحريم على إختلاف الروايتين عنه "
فدل هذا على أن الكراهة كما يطلقها المتقدمون على التحريم يطلقونها على التنزيه
¥