فهل يعقل أن تسمي شيخ الإسلام لمن لا يحفظ القرآن كما هو معروف وقد صرح الشيخ بذلك ولمن لا يحفظ الصحيحين فقد حدثنا الشيخ عبد القادر الأرناؤط مراراً أنه أثناء عمله مع الشيخ في المكتب الإسلامي كان الشيخ ناصر يحقق حديث (بتربة أرضنا) ويحاول إيجاد طرق لرواية من الروايات التي فيها ضعف فطلع الشيخ عبد القادر رحمه الله على الحديث وأخبره بأن الحديث مخرج في البخاري ومسلم ولا يحتاج لمتابعة ولا شاهد؟؟
ولا تقول أني أطعن في الشيخ فهذا ليس طعناً وإنما هو إنزال الناس منازلهم وإعطاء كل ذي حق حقه والبعد عن الغلو في الأشخاص والله المستعان وهو يهدي إلى سواء السبيل.
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[19 - 02 - 06, 10:05 ص]ـ
الحمد لله و كفى و صلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى ... أما بعد
فقد استرعى انتباهي في مشاركة الأخ الكريم أبي سند رقم 41 ما نقله عن الشيخ السعدي رحمه الله من رسالته الجامعة في الأصول، و رغم أنني كنت بعيداً عن مكتبتي إلا أنه قد وقع في قلبي شك شديد من هذا النقل و ذلك لأسباب:
1. أن رسالة الشيخ رحمه الله المذكورة ليس فيها هذا البسط في الكلام بل هي رسالة مختصرة، لكنني قلتُ في نفسي ربما كانت رسالة أخرى مقاربة للأولى في الاسم.
2. نقله عن الرسالة قول الشيخ: " المكروه يعني ما نهى عنه لا على وجه الإلزام -طيب- فابن القيم يقول " فكلمة " طيب " هذه توحي أنه درس مسجل و ليس كلاماً مكتوباً!!
3. قوله في أول النقل " المسألة الثانية أن المكروه الذي أمر به الشرع لا على وجه الإلزام، ... " و الشرع لم يأمر بالمكروه لا على وجه الإلزام و لا غيره، مما يقوي أنها زلة لسان من ملقي الدرس!!!
4. نقله في الرسالة عن ابن القيم أن المتقدمين " لا يعرفون المكروه بمعنى كراهة التنزيه، إنما إذا أطلقوا المكروه أرادوا به المحرم " ثم وضح المراد من الكلام بقوله " لأن العلماء القدامى إذا عبروا بالمكروه أنه لا يفسر في كلامهم -بالمعنى الاصطلاحي- عند الأصوليين إلا إذا وجد أدلة تدل على ذلك؛" و هاتان العبارتان تؤيدان ما ذهب إله الأخ الكريم أبو سند من كون الأصل في إطلاق المتقدمين للكراهة أنه للتحريم و من ثم مطالبته لي ـ وحدي ـ بالدليل على أن مراد الطحاوي هو الكراهة، لأنني أكون ناقلاً عن الأصل.
وقد ساورني الشك من هذا الكلام لأن المنقول عن ابن القيم أعلاه لا يوافق ما في الإعلام بل بينهما فرق واضح لمن تأمل الكلام، فابن القيم يقول " فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن ِ المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ... " و كون السلف يستعملون الكراهة كما استعملت في الكتاب و السنة على معنى التحريم لا يعني أنهم لا يستعملونها على مرادالتنزيه، يدلك على ذلك بقية كلام ابن القيم حيث قال أن المتأخرين "اصطلحوا على (تخصيص) الكراهة بما ليس بمحرم ... " فقوله تخصيص يدلك على أن الكراهة عند السلف تعم التحريم و التنزيه لكن المتأخرين خصوها بالتنزيه دون التحريم فغلطوا بهذا التخصيص على أئمتهم، و إلا لو كان الأمر كما فهم أخونا أبو سند لما قال ابن القيم " تخصيص " بل لقال ـ مثلاً ـ أن المتأخرين استخدموا الكراهة على معنى مغاير لما أراده المتقدمون، ومن جهة أخرى فقد نقلتُ عن ابن القيم قوله في البدائع " وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه " و فرق بين قولنا الأصل في لفظ الكراهة أنه للحرمة و قولنا أكثر ما تستعمل الكراهة في الحرمة.
و قد تأكدتُ لاحقاً من كون هذا الكلام الذي نسبه الأخ الكريم أبو سند للعلامة السعدي رحمه الله ليس في الرسالة الجامعة بل ليس فيه حرف واحد منها بل هو من كلام أحد المشايخ يشرح فيه رسالة الشيخ السعدي و أن هذا الكلام تفريغ لأشرطة هذا الشرح!! فرأيتُ من واجبي التنبيه على هذا الخطأ.
و بعدُ فإنني لم أتعرض في ردي السابق للرد على استشهاد الأخ الكريم بما نسبه ـ خطأ ـ للشيخ السعدي رحمه الله لأنني أظن أن هذا الكلام لو كان من الشيخ رحمه الله فإنه لا يعبر عن رأي ابن القيم بدقة، فابن القيم رحمه الله أدرى بمراده من كلامه و قد وضح ذلك في بدائع الفوائد بما لا يقبل الشك أو يحتمل اللبس.
و ربما لاحظ الأخوة الكرام أن الفاضل أبا سند قد نقل عن الشيخ صالح آل الشيخ ما يؤيد فهمي لا فهمه هو لمراد السلف من لفظ الكراهة حيث قال " قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرح متن الورقات (والمكروه ما يثاب على تركه, ولا يعاقب على فعله, فيقابل المندوب؛ لأن المندوب ما يثاب على فعله, والمكروه يثاب على تركه، المكروه يراد به هنا المكروه الاصطلاحي الذي هو قسيم الأنواع السابقة , والمكروه في القرآن وفي السنة أعم من هذا التعريف؛ لأنه قد يكون المكروه محرما؛ بل أكثر ما جاء في الكراهة في النصوص ما كان محرما محظورا) انتهى.
و مما قاله الشيخ حفظه الله في شرحه بعد كلمات قلائل " قد تكون الكراهة في النصوص كراهة تنزيه مثل قوله «كره لكم قيل وقال»، وقد تكون للتحريم كما ذكرت لك في الآية، وكما في قوله «كره لكم قيل وقال وإضاعة المال» , (إضاعة المال) محرم ليس كراهة تنزيه. "
فقوله "أعم " يوافق ما فهمتُه من كلام ابن القيم بقوله " تخصيص " و كذلك بقية كلامه كما هو ظاهر، إلا إن كان الأخ الكريم يرى أن لا فرق بين قوله " الأصل للتحريم " و قولي " الأكثر للتحريم " و أنهما تستلزمان مني وحدي أن آتي بدليل على أن مراد الطحاوي هو التنزيه.
هذا و قد قال الأخ الكريم أبو سند " بالنسبة لكلمة كراهة , ومراد السلف بها عند إطلاقها , فقد تكلم حول هذا الموضوع الكثير من العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين , وإنما نقلت كلام ابن القيم رحمه الله لاعتقادي انه قد أوفى المسالة حقها"
فأقول: نعم قد وفاها رحمه الله حقها كما يظهر للمنصف من مفهوم كلامه في الإعلام و منطوق كلامه في البدائع، و الله أعلى و أعلم.
¥