أعتقد أنك قد وصلتَ إلى نهاية المطاف في هذا النقاش حيث ذكرتَ أن بحثك الأخير هو كل ما عندك حول الموضوع، فلا أملك حيال ذلك سوى أن أدعو الله عز و جل لي و لك و لإخواننا أن يهدينا في هذه المسألة و غيرها لما اختلف فيه من الحق بإذنه سبحانه فإنه عز و جل يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الأخ الكريم ناصف و كل الأخوة المتابعين للموضوع، لقد كان النقاش يدور هنا حول نقاط الموضوع نقطة نقطة، و لكن الآن لم يعد هذا سائغاً فسوف أقوم بإجمال القول حول هذه المسألة ثم بعد ذلك أعلق على بعض ما جاء في البحث الأخير لأخينا الكريم أبي سند.
إن الكلام حول حرمة صيام السبت في النفل ينطلق من محورين، الأول هو مناقشة أدلة هذه الحرمة ً، الثاني إثبات سلف للقائلين بالحرمة أو نفيه.
أولاً- مناقشة أدلة الحرمة: إن خير من يعرض لنا أدلة هذه الحرمة هو الشيخ الألباني رحمه الله فكل من قال بالحرمة إنما قالها تبع له و قد قال رحمه الله في تمام المنة:
تمام المنة [جزء 1 - صفحة 406]
وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله: " إلا فيما افترض عليكم " فإنه كما قال ابن القيم في " تهذيب السنن ": " دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا " لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها "
قلت: وأيضا لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى، وإذ الأمر كذلك فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت كحديث ابن عمرو الذي قبله ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعا بينه وبين تلك الأحاديث وهو الذي ملت إليه في " الإرواء "
والذي أراه - والله أعلم - أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان: الأول: مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقله عن ابن القيم
والآخر: أن هناك مجالا آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ومنها: أولا: قولهم: إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح
ثانيا: إذا تعارض القول مع الفعل قدم القول على الفعل
ومن تأمل في تلك أحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين: الأول: من فعله صلى الله عليه وسلم وصيامه
الآخر: من قوله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمرو المتقدم
ومن الظاهر البين أن كلا منهما مبيح وحينئذ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر وهي مبيحة
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: " أتريدين أن تصومي غدا " وما في معناه مبيح أيضا فيقدم الحديث عليه. هذا ما بدا لي فإن أصبت فمن الله وله الحمد على فضله وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفره من ذنبي.)
فيمكن تلخيص كلامه رحمه الله في نقاط:
1 - رد تأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفرداً بل النهي يتناول كل صور صوم السبت في غير النفل.
2 - الحديث مخالف لأحاديث الإباحة.
3 - جمع ابن القيم بين حديث النهي و أحاديث الإباحة بحمل النهي على إفراد السبت بالصوم.
4 - أقر الشيخ رحمه الله بأن الجمع السابق جيد لولا أمرين الأول مخالفته الصريح لحديث النهي و الثاني أن هناك مجالاً آخر للتوفيق و الجمع كتقديم الحاظر على المبيح و القول على الفعل.
أما ما جاء في 1 و 2 فلا اعتراض عليه.
¥