تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما ما جاء في 3 و 4 فابن القيم رحمه الله قد ذكر أكثر من مسلك للقائلين بالجمع بين حديث النهي و أحاديث الإباحة، المسلك الأول ذكره بقوله (يقال يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره وحديث النهي على صومه وحده وعلى هذا تتفق النصوص) و هذا المسلك فيه مخالفة صريحة لحديث النهي كما قال الشيخ الألباني رحمه الله و لذلك رده ابن القيم بقوله (وهذه طريقة جيدة لولا أن قوله في الحديث لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها)

لكن ابن القيم رحمه الله قد ذكر مسلكاً ثانياً للقائلين بالجمع و هؤلاء لا ينفون أن حديث النهي يدل على النهي عن صيام السبت في غير الفرض مفرداً أو مضافاً فهم لا يحملون الحديث بمفرده على النهي عن إفراد السبت بالصيام، لكنهم استفادوا هذا الحكم و هو توجه النهي إلى إفراد السبت من الأدلة الأخرى، و قد حكى ابن القيم رحمه الله مذهبهم هذا فقال (قالوا وأما قولكم إن الاستثناء دليل التناول إلى آخره فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم فكلا الصورتين مخرج أما الفرض فبالمخرج المتصل وأما صومه مضافا فبالمخرج المنفصل فبقيت صورة الإفراد واللفظ متناول لها ولا مخرج لها من عمومه فيتعين حمله عليها)

و معنى هذا الكلام أن هذا الفريق يقر أن حديث النهي عن صيام السبت قد أخرج صورة صيام الفرض من عموم النهي و ذلك بالاستثناء في قوله " إلا فيما افترض عليكم " فبقيت كل صور صيام السبت في النفل منهياً عنها سواء منها إفراده بالصوم أو صومه مضافاً إلى غيره، لكن جاءت أحاديث أخرى أباحت صيام السبت مع يوم قبله أو بعده فاستثنت هذه الأحاديث صورة صيام السبت مضافاً من عموم النهي الوارد في الحديث.

و ملخص الكلام السابق أن حديث النهي عام في النهي عن صيام السبت على كل وجه و لكن قد جاء الحديث بمخصص لهذا العموم و هو استثناء الفرض، ثم جاءت أحاديث الإباحة لتخرج صورة أخرى من النهي و هي صورة الإضافة فكانت هذه الأحاديث مخصصة لحديث النهي، و بقيت صورة الإفراد لا مخرج لها من عموم النهي فتوجه النهي إليها، فهذا المسلك هو من باب حمل العام على الخاص و هو خال من المحذور الأول في كلام الشيخ الألباني رحمه الله و هو حمل الحديث على معنى فيه مخالفة صريحة له.

و هنا يجدر التنبيه إلى فرق دقيق بين مسلكي الجمع قد يخفى على البعض و هو أن المسلك الأول يتأول حديث النهي على أن المراد منه هو النهي عن الإفراد و هذا التأويل مخالف لنص الحديث، أما المسلك الثاني فهو يبقي الحديث على معناه و على عمومه و لكن يخرج منه بعض الصور بمخصصات بعضها من الحديث نفسه و بعضها الآخر من خارجه، و كلا المسلكين من طرق الجمع المعروفة إلا أن تطبيق الأول في مسألتنا خطأ لما سبق من المخالفة الصريحة للحديث، أما المسلك الثاني و هو حمل العام على الخاص فلا غبار عليه.

أما المحذور الثاني في كلام الشيخ رحمه الله و هو أن هناك مجالاً آخر للتوفيق والجمع بين الأحاديث وذلك باستخدام قاعدتين من قواعد أصول الفقه، أولاهما الحاظر مقدم على المبيح، والثانية القول مقدم على الفعل.

فهاتان قاعدتان من قواعد الترجيح وليستا من قواعد الجمع، فكيف يكون إعمالهما " مجالاً آخر للتوفيق والجمع "؟

إذا تقرر ذلك فمعلوم أن الترجيح لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، قال الشوكاني في إرشاد الفحول276:

" ومن شروط الترجيح التي لا بد من اعتبارها أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه و لم يجز المصير إلى التراجيح"

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم 3/ 155:

" ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير