إنني في الحقيقة لا أدري كيف يمكن أن نستسيغ أن يكون كل أولئك العلماء الأجلاء بدءاً من الترمذي رحمه الله ـ و هو أول من نُقِل عنه قبول الحديث بتحسينه له ـ إلى مشايخنا المعاصرين رحم الله ميتهم و حفظ حيهم قد تتابعوا على هذا الخطأ الذي يفترض ألا يقع فيه طلاب العلم المبتدؤون فصرفوا النهي في الحديث من الحرمة إلى الكراهة بلا صارف ثم نأتي نحن فنكتشف هذا الخطأ لنصححه!
أليس من الأجدر بنا أن نحسن الظن بعلماء الأمة عبر القرون و أنهم ما كانوا ليحيدوا عن أصول العلم التي حفظوها لنا و نقلوها خلفاً عن سلف و أنهم ما كانوا ليغفلوا جميعاً عن هذا الخطأ؟
الثانية: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) , و إلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور
في حديث النهي لا يدخل إلا المحصور هذا صحيح، أما باقي الحالات التي يجوز فيها صيام السبت فتدخل بأحاديث أخرى و مثل ذلك الصلاة في الأوقات المكروهة قال الشيخ الألباني رحمه الله في الشريط 53 من سلسلة الهدى و النور: " كيف التوفيق بين لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [يعني مع حديث تحية المسجد]؟ ... فإن قلتَ لا أصلي تمسكاً بهذا الحديث جاءك حديث آخر إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ... فيصبح الأمر: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس و لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا، فيه [أي يوجد] استثناء، الاستثناءات كثيرة وكثيرة جداً" ثم ذكر رحمه الله أحاديث تدل على هذه الاستثناءات ثم قال:" لذلك العلماء المحققون جاؤوا بقاعدة تجمع بين الأحاديث الواردة في هذه القضية، قالوا الصلاة المنهي عنها في الأوقات المكروهة هي النوافل المطلقة أما النوافل التي لها أسباب فلا تكره ... "، فالشيخ رحمه الله أدخل من كلامه استثناء على أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات الكراهة استفاده من الأحاديث الأخرى، والعلماء الذين قالوا بتوجه النهي في حديث السبت لإفراده أدخلوا استثناءات استفادوها من أحاديث أخرى كذلك.
و هو قوله افترض عليكم و هو رمضان و الكفارات و النذور و القضاء , وكل ما فرض صيامه فلو صادف السبت احد هذه المفروضات فلا مانع من صيامه.
و هل يقول الأخ الكريم بجواز نذر صيام يوم العيد؟ الشيخ رحمه الله يقول أن نذر صيام السبت نذر معصية فهل يجوز الوفاء بنذر المعصية عند الأخ الكريم؟
و تحت رده على قول الإمام مالك عن الحديث أنه كذب قال:
و قد صحح هذا الحديث الترمذي و الذهبي و الحاكم و النووي و أبو داوود و ابن خزيمة و ابن حبان و ابن السكن و الضياء المقدسي و ابن قدامة و ابن الملقن و الألباني , رحمهم الله جميعا.
الترمذي لم يصححه بل حسنه، و أبو داود قال منسوخ و هذا و إن كان يعني أنه يصحح سنده إلا أنه ليس من جملة المقبول عنده بسبب النسخ فعده من جملة المصححين دون بيان ذلك خطأ ظاهر.
من جهة أخرى فإذا أردنا أن نتحرى العدل و الإنصاف في هذه المناظرة المفترضة فيجب أن نعرض للرأيين دون تقوية لأحدهما على الآخر بلا مبرر، فعندما نريد بيان خطأ قول الإمام مالك رحمه الله فيكفي أن نأتي بما يبين ذلك، أما إن تجاوزنا ذلك و عرضنا أسماء من قال بتصحيح الحديث فالعدل و الإنصاف يقضيان بعرض أسماء المضعفين و إلا كان ذلك إجحافاً يشي بما سيكون عليه الحال في هذه المناظرة من بدايتها، فجبراً لهذا الخلل هاكم أسماء من لم يقبلوا هذا الحديث إما لضعفه أو نسخه أو شذوذه:
1. ابن شهاب الزهري (ت 124) قال: حديث حمصي ولم يعده حديثاً كما قال الطحاوي.
2. الأوزاعي (ت 157) قال: ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر.
3. مالك بن أنس (ت 179) قال: هذا كذب.
4. يحيى بن سعيد القطان (ت 194) أبى أن يحدث الإمامَ أحمد به وكان ينفيه.
5. أحمد بن حنبل (ت 241) وقد نقل عنه ذلك الأثرم كما في الاقتضاء لابن تيمية.
6. أبو بكر بن الأثرم (ت 261) قال: شاذ أو منسوخ كما في الاقتضاء.
7. أبو داود (ت 275) قال: منسوخ، نسخه حديث جويرية.
8. النسائي (ت 303) قال: مضطرب.
9. الطحاوي (ت 321) قال: شاذ.
10. ابن العربي (ت 543) قال: لم يصح فيه الحديث.
11. ابن تيمية (ت 728) قال في الاقتضاء: شاذ أو منسوخ.
12. ابن القيم (ت 751) قال في تهذيب السنن: شاذ أو منسوخ.
¥