من جهة أخرى فإن عبارة الأخ الكريم السابقة غير دقيقة من الناحية العلمية، لأن فيها إلزاماً للمخالف بطريقة جمع خصمه فإما أن يقبل بها و إما أن يُلزَم بالترجيح و في هذا ما فيه، و مثله قوله لاحقاً (فإما ان يجمع بينها بما تقدم , وإما ان يرجح بالقواعد السالفة الذكر)
بل الصواب الموافق لقواعد العلم أن يقال: الأدلة متعارضة فإن لم يمكن الجمع بالطريقة المذكورة أو بغيرها من طرق الجمع فحينئذ لابد من الترجيح.
و لايخفى على القارئ الكريم أن الذين جمعوا بين هذين الحديثين من القائلين بكراهة الإفراد لم يجمعوا بالطريقة السابقة بل بأخرى ـ تذكر في مكانها إن شاء الله ـ فكان على الأخ الكريم أن يفندها قبل أن يلزم مخالفه بالترجيح بقاعدة المنطوق مقدم على المفهوم أو غيرها من قواعد الترجيح.
و في سياق جوابه على دعوى شذوذ حديث السبت قال:
أما عن باقي الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها فالجواب عليها يكون بسؤال لكم فنقول:
ماذا لو وافق يوم العيد يوم الخميس أو يوم الاثنين؟؟
ثم جاء بكلام طويل خلاصتُه أن القائلين بعدم الحرمة لا يجيزون صيام الإثنين و الخميس إن وافقا يوم عيد لأن يوم العيد منهي عن صيامه، قال الأخ الكريم: و جوابنا كجوابكم فيوم السبت منهي عنه كذلك
الجواب:
المسألة ليست بهذه الصورة المبسطة، فالأخ الكريم لم يبين لنا لماذا قدم من يخالفهم النهي عن صيام العيد على استحباب صوم الإثنين و الخميس، و كنتُ قد تعرضتُ لهذه المسألة فكان مما قلتُه
صيام يوم الإثنين والخميس إذا وافق يوم عيد:
وهذا تابع لقاعدة الحاظر و المبيح، وملخصه أن الشيخ رحمه الله قد ألزم القائلين بكراهة إفراد السبت بالصيام، بتقديم الحاظر في هذه المسألة على المبيح والقول بالتالي بحرمة صيام السبت في غير الفريضة بناء على كونهم يقولون بحرمة صوم يوم العيد إذا صادف يوم إثنين أو خميس وهما يومان يستحب صومهما، وما ذلك إلا تطبيقاً منهم لقاعدة الحاظر مقدم على المبيح كما صرحوا بذلك، إذ إن يوم العيد منهي عن صيامه، فكما قدم النهي هنا على إباحة أو استحباب صيام الإثنين والخميس فكذلك يقدم نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم السبت على إباحته صيامه، والجواب عن ذلك هو أن النهي عن صيام يومي العيد يفارق النهي عن صيام السبت من وجوه، فمنها:
1. كل من يومي العيد لا يمر سوى مرة واحدة في العام وقد يصادف يوم إثنين أو خميس و قد لا يصادفه فاحتمال حدوث تعارض بين النهي عن صيام يومي العيد وإباحة صيام الإثنين أو الخميس احتمال ضعيف لا يزيد عن مرتين في العام و قد يكون معدوماً، بينما التعارض بين النهي و الإباحة في صيام السبت يتكرر كل أسبوع كما لا يخفى.
قال الشيخ رحمه الله في الشريط 380: صوم الإثنين والخميس أمر عام أي كلما تردد يوم الإثنين بتردد الأسبوع وكذلك الخميس، استحب للمسلم أن يصومهما فكأن هذا نص عام فإذا جاء النهي [أي عن صومهما يوم العيد] فذلك من باب الاستثناء للقليل من الكثير و هذا من جملة الطرق التي يوفق العلماء بها بين الأحاديث التي يظهر التعارض بينها أحياناً، إذاً الأصل الحض على صوم يوم الإثنين والخميس فإذا تعارض هذا الأصل مع نهي عارض ـ هنا يعرض يوم السبت وهناك يعرض يوم العيد ـ فقدمنا العارض على الأصل جمعاً بين النصوص، لهذا أنا أقول بأنه لا إشكال إطلاقاً في إعمال هذا الحديث [حديث النهي عن صوم السبت] على عمومه.
الجواب: * استثناء القليل من الكثير ينطبق على العيد فهو قليل والإثنين أو الخميس كثير فالنهي عن صيامهما إذا وافقا يوم عيد نهي عارض كما ذكر الشيخ، أما النهي عن صوم يوم السبت فليس عارضاً لأنه يتكرر كل أسبوع فيتعارض النهي و الإباحة كل أسبوع، فلا ينطبق عليه استثناء القليل من الكثير.
* تقديم العارض على الأصل هو من باب الترجيح أيضاً و ليس من باب الجمع والتوفيق، فلا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع وهو غير متعذر في مسألة السبت.
2. من أثر الفرق السابق أن المعارضة بين النهي والإباحة في السبت قوية، بينما المعارضة بينهما في مثال العيد لا تكاد تذكر، وهذا ما جعل العلماء يبحثون عن أدنى قدر ممكن لدرء هذا التعارض بالنسبة ليوم السبت لعظم أثر هذا التعارض، بينما أثره في مثال العيد لا يكاد يذكر.
¥