3. يمكن القول أن القول بحرمة صيام الإثنين أو الخميس إن صادفا يوم عيد ليس من قبيل تقديم الحاظر على المبيح وهي من قواعد الترجيح، بل من باب تخصيص العام، وهو من طرق الجمع المقدم على الترجيح، فأدلة إباحة صيام الإثنين و الخميس عامة تشمل كل إثنين وخميس، أما أدلة النهي عن صيام العيد فخصصت ذلك العام، فأخرجت صورة موافقة الإثنين أو الخميس ليوم العيد من الإباحة إلى التحريم، فاتفق قدراً أن كان المخصص حاظراً و العام مبيحاً، و أما في مسألة صوم السبت فالعام هو الحاظر (و هو حديث النهي) والمخصص هو المبيح.
4. إن قيل لا بل تحريم صيام الإثنين أو الخميس إن صادفا يومي العيد هو من باب تقديم الحاظر على المبيح و استثناء القليل من الكثير، قلنا فإنا لا نعلم طريقاً للجمع غير ما ذكرنا في النقطة السابقة فإن كانت غير مقبولة فالانتقال لقواعد الترجيح لا إشكال فيه لتعذر الجمع، بينما الجمع في صيام السبت ممكن فلم نحتج لقواعد الترجيح.
5. الإجماع منعقد على حرمة صيام يومي العيد، بينما حرمة صيام السبت في النفل لم يقل بها أحد قبل الشيخ الألباني رحمه الله.
و فرق بين العبارة السابقة في (5) و بين نسبة الأخ لمخالفيه قولهم ثالثاً: النهي عن صيامهما قد شاع وذاع في الأخبار،و مجمعٌ على حرمة صيامهما , أما السبت فمختلف فيه.
فالسبب الذي قلتم فيه بعدم جواز صيام يوم العيد اذا وافق يوما يستحب صيامه هو نفس السبب الذي قلنا به بعدم جواز صيام يوم السبت اذا ما وافق يوما يستحب صيامه.
ثم إنَّ هذه الأدلة الدالة على استحباب تلك الأيام عامة؛ اى أنَّها على مدار أيام السنة؛ وحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) خاص في حكم صيام يوم السبت؛ فيكون الجمع أنَّ هذه الأيام يشرع صيامها على مدار أيام السنة إلا في أوقات النهي؛ ومنها يوم السبت , فتكون هذه الاحاديث عامة وخصصت بحديث السبت فيحمل العام على الخاص وهذه طريقة الجمع بين الأدلة.
كما قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فما علاقة يوم عرفة و يوم عاشوراء و ست شوال و صيام شعبان بالعموم الذي ذكره الأخ الكريم بقوله عامة؛ اى أنَّها على مدار أيام السنة؛؟
و هل تأتي هذه الأوقات إلا مرة واحدة في السنة؟!!
لا شك أن بعض هذه الأيام التي يستحب صومها تتكرر على مدار السنة و ما ذاك في حقيقة الأمر إلا لتكررها كل أسبوع كالإثنين و الخميس أو كل شهر كالأيام البيض فإن كانت أدلة استحباب صيام هذه الأيام عامة باعتبار التكرر على مدار السنة فماذا عن الأوقات الأخرى التي يستحب صومها و لا تأتي إلا مرة كل سنة؟
من جهة أخرى فإن حديث النهي عن صيام السبت بهذا الاعتبار ـ أعني التكرر على مدار السنة ـ عام أيضاً كما لا يخفى إذ السبت يتكرر كل أسبوع.
إن العموم الذي يستفاد من كل أدلة استحباب الصيام المذكورة مما له تعلق بمسألتنا هو أنه يستحب صيام يوم السبت ـ لا بخصوصه كيوم سبت و لكن كغيره من الأيام ـ كلما صادف وقتاً من هذه الأوقات التي يستحب صومها، و حيث إنه قد جاء حديث النهي عن صوم السبت عاماً أيضاً في كل سبت إلا ما استثني بالحديث وهو ما افترض عليكم، فهنا و قع التعارض بين الأدلة فلذلك قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن عند كلامه عن حديث السبت
(فلا ريب أن الاستثناء [أي بقول إلا فيما افترض عليكم] أخرج صورة الفرض من عموم النهي فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم [أي أحاديث الإباحة أو الاستحباب] فكلا الصورتين مُخرَج أما الفرض فبالمخِرج المتصل [أي الاستثناء] وأما صومه مضافا فبالمخِرج المنفصل [أي أحاديث الإباحة] فبقيت صورة الإفراد واللفظ متناول لها ولا مخرج لها من عمومه فيتعين حمله عليها)
وهذه هي طريقة الجمع التي سبقت الإشارة إليها فإن كانت مقبولة فقد تم حل الإشكال و ظهر أنه يكره إفراد السبت في غير الفرض بالصيام، أما إن كانت غير مقبولة فليبين لنا المخالفون اعتراضاتهم للنظر فيها.
أما الأخ الكريم فقال فتكون هذه الاحاديث عامة وخصصت بحديث السبت فيحمل العام على الخاص وهذه طريقة الجمع بين الأدلة.
فبقوله ـ على ما فيه مما سبق بيانه ـ نأخذ أم بقول أهل العلم الموافق لقواعدهم كما نقله ابن القيم رحمه الله؟
¥