أما إن كان الجواب هو نعم ـ و هو كذلك إذ لا يصح جواب غيره ـ فهل يكون هؤلاء الذين احتجوا بالحديث على الكراهة قد عملوا به أم لا؟ الجواب الذي لا يختلف عليه اثنان هو نعم بالتأكيد قد عملوا به على فقالوا بالكراهة.
من جهة ثانية هل احتج الشيخ الألباني رحمه الله و من يتابعه في المسألة على الحرمة بحديث النهي و عملوا به؟ الجواب بالتأكيد نعم.
فالآن، الفريق الأول الذين عملوا بالحديث و احتجوا به على الكراهة يطالبون الفريق الثاني أن يقولوا مَن مِن السلف فهم من هذا الحديث ـ الذي عمل به و احتج به الفريقان ـ حرمة صيام السبت.
فهل الفريق الأول بذلك يكون قد قال أنه لا يحتج بهذا الحديث و لا يعمل به حتى نعلم من من العلماء عمل به و احتج به؟ الجواب الذي يجب ألا نختلف عليه هو لا بالتأكيد لأن الفريق الأول عمل بالحديث و احتج به بالفعل، و لكن فرق بين أن نطالب القائلين بالحرمة بسلف لهم في القول بالحرمة و هذا ما نطالبهم به بالفعل، و بين أن نطالبهم بسلف عمل بالحديث أو احتج به و هذا ما لم يطالب به أحد من القائلين بالكراهة فيما أعلم، فهذا تقويل للفريق الأول ما لم يقله ثم محاسبته عليه و هذا ظلم بَيِّن.
فالذي نطالبهم به هو تطبيق المنهج السلفي في هذه المسألة فنحن و إياهم متفقون على ضرورة تحكيم فهم السلف للكتاب و السنة، بل هذا هو شعار منهجنا و ما يمتاز به عن غيره من المناهج، فأين هو في مسألتنا؟!!
وقال ابن حزم في الإحكام (فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أن أحداً قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان
نعم! و قد قال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع
" وأجمعوا أن من تطوع بصيام يوم واحد ولم يكن يوم الشك، ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان، ولا يوم الجمعة، ولا أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر: فإنه مأجور حاشا الامرأة ذات الزوج ".
إذاً أجمع المسلمون أن من تطوع بصيام السبت أنه مأجور وهذا يعني أنهم أجمعوا أن صوم السبت في النفل ليس بحرام.
و كان ابن حزم قد قال في مقدمة كتابه " و إنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة الذي يُعلم كما يُعلم أن صلاة الصبح في الأمن و الخوف ركعتان، و أن شهر رمضان هو الذي بين شوال و شعبان ... "
و قد تعقب ابن تيمية رحمه الله كتاب ابن حزم هذا فانتقده في مواضع ليس هذا منها، فهذا إقرار منه رحمه الله لهذا الإجماع فيستفاد من ذلك أن الإجماع منعقد على عدم حرمة صيام السبت في النفل منفرداً ناهيك عن مضافاً إلى غيره، و إلا فكيف يؤجر؟
لقد طالب الشيخ الألباني رحمه الله أن يأتيه معارضوه بمثل هذا الإجماع، و لم أقرأ أو أسمع أن أحداً عرض عليه هذا الكلام، و الذي يفهم من كلامه رحمه الله أنه كان سيرجع عن قوله بالحرمة لو أتاه مثل هذا الإجماع، ترى هل سنجد من إخوتنا الذين يقلدونه في المسألة إنصافاً و تجرداً فيسلموا لهذا الإجماع؟
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده؟، ... ولو كانت سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن، ومزكيا لها، وشرطاً في العمل بها،
فالقائلون بكراهة الإفراد عملوا بالحديث كما لا يخفى.
الوجه الثاني: نقول ان من السلف من قال بظاهر الحديث هو راوي الحديث نفسه عبدالله ابن بسر , وهو ما أخرج الإمام النسائي في سننه الكبرى (3/ 213 برقم2785) من طريق معاوية بن يحي أبي مطيع، قال: حدثني أرطاة، قال: سمعت أبا عامر قال: سمعت ثوبان مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسئل عن صيام يوم السبت، قال: سلوا عبد الله بن بسر، قال: فسئل، فقال: (يوم السبت لا لك ولا عليك).
و لفظة (لا لك ولا عليك) لا تعني الجواز؛ ولهذا وضع الإمام النَّسائي هذا الأثر الموقوف تحت باب: (النهي عن صيام يوم السبت).
الله المستعان!!
1 - الترجمة كاملة عند النسائي رحمه الله هي (النهي عن صيام يوم السبت وذكر اختلاف الناقلين لخبر عبد الله بن بسر فيه)!!
¥