الجواب: من المعلوم أن النذر عبادة من العبادات، و مع ذلك فقد ورد النهي عنه كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه، و النهي إن لم يكن للتحريم فللكراهة، فأقل درجات النذر أنه مكروه و مع ذلك فمن أتى به وجب عليه الوفاء إن كان نذر طاعة و يؤجر حينئذ لأنه قد أتى بالواجب و يأثم إن ترك الوفاء.
قال الحافظ في فتح الباري [جزء 11 - صفحة 578]
" قال ابن المبارك معنى الكراهة في النذر: في الطاعة وفي المعصية، فإن نذر الرجل في الطاعة فوفى به فله فيه أجر ويكره له النذر "
فيمكن أن يقال نفس الشيء أن من أفرد السبت بالصيام أو خصه به فقد أتى مكروهاً بسبب تخصيصه أو إفراده لكنه يؤجر لاندراج صومه تحت أصل الحث على الصيام المستلزم للأجر و الثواب، و الله أعلم.
هذا و قد قال ابن تيمية رحمه الله عند ذكر حديث ابن لهيعة في صيام السبت " ... قال [أي النبي عليه السلام]: كلي فإن صيام يوم السبت لا لك ولا عليك. وهذا وإن كان إسناده ضعيفا لكن تدل عليه سائر الأحاديث " ا. هـ أي سائر أحاديث الإباحة و كلها بلا شك تثبت الأجر لمن صام السبت لا بعينه و لكن كغيره من الأيام.
إذا كان الأمر كما ذُكِرَ سابقاً فإن كلاً من القائلين بالجواز و القائلين بالكراهة ـ و كلا القولين ينطبق عليه قولنا للصائم لا لك و لا عليك ـ لا ينفون الأجر عن صائم السبت بل يثبتونه فلا يتوجه لمن أفتى بأحد القولين قول الأخ الكريم: " فنحن نقول له انك إن صمت ذلك اليوم فليس لك ثواب، "
التساؤل الثاني
و الجواب عنه ـ إضافة لما سبق ـ أننا يجب أن نتأمل جيداً في قصة سائل عبد الله بن بسر رضي الله عنهما، فإنه قد جاء يسأل عن صيام يوم محدد فهو يسأل عن صيام يوم السبت بعينه، فلماذا؟
هل يخطر ببال أي منا أن يسأل مفتيه عن صيام يوم الثلاثاء مثلاً؟ الجواب هو لا، و لا يكون الجواب بنعم إلا عند من قام لديه أمر ما خاص بيوم الثلاثاء كحديث أنه عليه السلام " كان يصوم من الشهر السبت و الأحد و الاثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء و الخميس " فأراد أن يعرف حكم المسألة و هل للثلاثاء حكم خاص، و إلا فالكل يعلم حتى العوام أنه يجوز صيام الثلاثاء و أن من صامه يؤجر لا لخصوصيةٍ لهذا اليوم بل لاندراجه تحت عموم الحث على الصيام، لذا فربما صادف الكثير منا أن يستيقظ يوماً ما و لا يكون من الأيام التي يندب صيامها فينوي صومه فإذا علم بذلك بعض من حوله من العوام يقول له: لكن اليوم ليس اثنين أو خميس! فإذا قال له الصائم نعم و لكنني صمتُ اليوم تقرباً لله، قبل منه العامي ذلك.
نعود لسائل عبد الله بن بسر رضي الله عنه فسؤاله عن صيام السبت يدل على أنه قد قام في نفسه أمر ما بشأن صيامه بعينه لا كغيره من باقي الأيام، و هذا الأمر إما أن يرجح صيامه أو أن يرجح ترك صيامه، فما هو هذا الأمر؟
قد يقول قائل إنه حديث النهي أو حديث أنه عليه السلام كان أكثر ما يصوم من الأيام السبت و الأحد، و هذا بعيد جداً لأنه كان بالتأكيد سيذكر ذلك لعبد الله بن بسر رضي الله عنه.
الذي يغلب على الظن ـ والله أعلم ـ هو أنه قد قام في نفسه شيء بخصوص صومه من حيث كونه يوماً تعظمه يهود لأنه عيدهم فأراد أن يعرف إن كان قد ورد شيء بخصوص صومه بعينه مخالفةً لهم فقال له ابن بسر رضي الله عنه " لا لك و لا عليك " أي أنه كباقي الأيام التي لم يرد فيها شيء مخصوص بعينها فصيامها جائز و ليس في صيامها أجر زائد كالأيام المندوبة، و إلى هذا المعنى أشار المناوي رحمه الله في فيض القدير 4/ 230 قال: (صيام يوم السبت لا لك ولا عليك أي لا لك فيه مزيد ثواب ولا عليك فيه ملام ولا عتاب ... )
و هذا الذي قام في نفس السائل هو نفس ما قام في نفوس العلماء بخصوص السبت و غيره من أعياد الكفار، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى
اقتضاء الصراط المستقيم [جزء 1 - صفحة 262]
" فصل
فأما صوم أيام أعياد الكفار مفردة بالصوم كصوم يوم النيروز والمهرجان وهما يومان يعظمهما الفرس فقد اختلف فيهما لأجل أن المخالفة تحصل بالصوم أو بترك تخصيصه بعمل أصلا؟ فنذكر صوم يوم السبت أولا ... "
لذا فجعل الإمام أحمد رحمه الله المراد من الحديث هو الإفراد كما في الاقتضاء بقوله (أما صيام يوم السبت ينفرد به فقد جاء في ذلك الحديث حديث الصماء ... )
¥