تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يوم عظيم.) انتهى كلامه، فإن كان الله عز وجل قد أهلك أولئك الأقوام بهذه العقوبات لما جرى منهم من الإرجاف للأنبياء والمصلحين والاستهزاء بهم ومعاندتهم ومحاربتهم والتسلط علهم والتجبر والتكبر على ما معهم من الحق والبينات،فإنا كذلك في هذا الزمان لا نأمن على أنفسنا من عذاب الله،ولاسيما وقد رأينا من يحارب الله ورسوله والمؤمنين ويستهزأ بالدين والدعاة المصلحين ويعادي أوليائه الصالحين ويمكر بهم في الليل والنهار –ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم-،فقد جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «أنه خطب فقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه» رواه أحمد.

الثمرة الرابعة: الحر والشدائد مؤشر الإيمان!! ومحك الرجال!! غزوة تبوك خير مثال!!:

قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه القيم زاد المعاد عن غزوة تبوك والتي تسمى أيضاً بغزوة العسرة لما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيها من العسر والكرب الشديد: (وكانت في شهر رجَب سنَة تسع، قال ابن إسحاق: وكانت في زمن عسرَةٍ منَ الناس، وجَدبٍ من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون شخوصهم على تلك الحال، وكان رسول الله قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وورى بغيرها، إلا ما كان من غزوة تبوك، لبعد الشّقة، وشدة الزمان.

فقال رسول الله ذاتَ يوم، وهو في جَهَازه للجَد بن قيس أحد بني سلمة: «يا جَدّ هَل لَكَ العَامَ في جلاَد بَني الأَصفَر» فقال: يا رسولَ الله أو تأذن لي ولا تَفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رَجلٍ بأشد عجباً بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساءَ بني الأصفر أن لا أصبرَ، فأعرضَ عنه رسول الله وقال: «قَد أَذنت لَكَ»، ففيه نزلت الآية {ومنهم مَن يَقول ائذَن لي ولا تَفتني}.

وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحَر، فأنزل الله فيهم: {وقَالوا لاَ تَنفروا في الحَر} الآية.

ثم إن رسول الله جد في سفره، وأمر الناسَ بالجَهَاز، وحض أهلَ الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقةً عظيمة لم ينفق أحدٌ مثلها.

قلت: كانت ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وعدتها، وألفَ دينار عَيناً.

وذكر ابن سعد قال: بلغ رسولَ الله، أن الرومَ قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام، وأن هرَقل قد رَزَق أصحابَه السنة، وأجلبت معه لَخمٌ، وجذام، وعَاملَة، وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء.

وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملون رسولَ الله، فقال: «لا أَجد مَا أَحملكم عَلَيه»، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون. وهم سالم بن عمير، وعلبَة بن زيد، وأبو ليلى المازني، وعمرو بن عَنَمَة، وسلمة بن صخر، والعرباض بن سارية. وفي بعض الروايات: وعبد الله بن مغَفل: ومعقل بن يسار، وبعضهم يقول: البكاؤون بنو مقَرن السبعة، وهم من مزينة. وابن إسحاق: يعدّ فيهم عمرو بن الحمام بن الجَموح).فمما ذكره ابن القيم عن هذه الغزوة يتبين لنا مدى أثر وقع الغزوة في هذا الوقت من الزمان على النفس البشرية فهي مجبولة على حب الراحة والضلال الوارفة والثمار اليانعة وملذات الدنيا ونعيمها ولكن أنى لقلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن تفاضل بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة! كيف ولا، وهم صنيعة خير البرية الذين راباهم على الإيمان والبذل والعطاء في أحلك الظروف وأصعبها فما كان منهم إلا أن استجابوا لله ولرسوله لما سمعوا داعي الإيمان يناديهم حي على الجهاد، فخرجوا على قلة ذات يدهم زهاء الثلاثين ألف يتقدمهم رسول الله ولم يتخلف عنهم سواء المنافقين وأهل الأعذار الذين عذرهم الله تعالى وثلاثة من أهل الإيمان قد سولت لهم أنفسهم أمرا فعاقبهم رسول الله أشد عقاب لما علم بحالهم وتركهم لما أوجب الله عليهم من الجهاد دون عذر شرعي مقبول حتى أنزل الله عفوه عنهم وتوبتهم من فوق سبع سمواته قال تعالى: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير