قلت: والذي في «صحيح مسلم»، من حديث أبي حميد: انطلقنا حتى قَدمنَا تبوكَ، فقال رسول الله: «سَتَهبّ عَلَيكم الليلَةَ ريحٌ شَديدَةٌ، فَلا يَقم منكم أَحَدٌ، فَمن كانَ لَه بَعيرٌ فَليَشد عقَاله» فهبت ريحٌ شَديدَة، فقامَ رجل فحملته الريح حتى ألقته بجَبَلي طَيىء.
قال ابن هشام: بلغني عن الزهري أَنه قال: لما مر رسول الله بالحجر، سجى ثوبه على وجهه، واستحث راحلته، ثم قال: «لا تَدخلوا بيوتَ الذينَ ظَلَموا أَنفسَهم إلا وَأَنتم بَاكونَ خَوفاً أَن يصيبَكم مَا أَصَابَهم».
قلت: في «الصحيحين» من حديث ابن عمر، أن رسولَ الله قال: «لا تَدخلوا عَلى? ه?هؤلاء القَوم المعَذبينَ إلا أَن تَكونوا بَاكينَ، فإن لم تَكونوا بَاكينَ، فَلا تَدخلوا عَلَيهم لا يصيبكم مثل مَا أَصَابَهم».
وفي «صحيح البخاري»: أَنه أمرهم بإلقاء العجين وطرحه.
وفي «صحيح مسلم»: أنه أمرهم أن يَعلفوا الإبلَ الَعجينَ، وأن يريقوا المَاء، ويستقوا من البئر التي كانت تَردها الناقة. وقد رواه البخاريّ أَيضاً، وقد حفظ راويه ما لم يحفظه مَن روى الطرح.
وذكر البيهقيّ: أنه نادى فيهم: الصلاةَ جامعة، فلما اجتمعوا، قال: «علامَ تدخلون على قوم غَضبَ الله عليهم» فناداه رجل فقال: نَعجَب منهم يا رسول الله فقال: «أَلاَ أنبئكم بما هوَ أَعجَب من ذ?لكَ. رَجلٌ من أَنفسكم ينَبئكم بمَا كَانَ قَبلَكم وَمَا هو كَائنٌ بَعدَكم، استَقيموا وَسَددوا، فإن اللهَ عَز وَجَل لاَ يَعبَأ بعَذَابكم شَيئاً، وَسَيَأتي الله بقَومٍ لا يَدفَعونَ عَن أَنفسهم شيئاً».انتهى
أقول والله المستعان أين هذا مما يفعله كثير ممن يسمون بالسياح من الذهاب إلى المواطن والبقاع التي عذب بها أقوامها الغابرين كديار ثمود قوم صالح والبحر الميت الذي عذب به قوم لوط والأهرام التي في مصر ديار الفراعنة الذين قال قائلهم: (أنا ربكم الأعلى) وغيرها من الأماكن والقبور والمزارات الشركية ثم هم ليسوا بالمعتبرين ولا الباكين عند رؤيتها بل من المتفرجين والضاحكين المستبشرين نسأل الله السلامة والعافية.
الثمرة السادسة: التخشن وترك الترف والسرف والتنعم الذي لا يأتي بخير:
جاء في مسند أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «اتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف والسراويلات وألقوا الركب وانزوا نزواً، وعليكم بالمعدية وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه وقال: «لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعيه»
قال ابن بطال: من أخلاق الأنبياء التواضع، والبعد عن التنعم، وامتهان النفس ليستن بهم ولئلا يخلدوا إلى الرفاهية المذمومة، وقد أشير إلى ذمها بقوله تعالى: (وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا).
وعند الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت».
جاء في لسان العرب: (وتَخَشَّنَ واخْشَوْشَن الرجلُ: لبس الخَشِنَ وتعوّده أَو أَكله أَو تكلّم به أَو عاش عَيشاً خَشِناً) التخشن شيمة طيبة يتحلى بها صناديد الرجال على مر الدهور والأزمان والعرب بطبعها تعشق هذه الطبائع والصفات وتذم من يتصف بنقيضها من صفات الميوعة والليونة والإسراف في التجمل والتزين ونحو ذلك من صفات الأنوثة التي لا تليق بالرجال أبداً،وقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: اخْشَوْشِنُوا وتَمَعْدَدُوا؛ وقد أجمعت العقلاء قاطبة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن الراحة لا تُنال بالراحة، وأن من آثر اللذات فاتته اللذات. ولو نظرنا إلى ملذات هذا الزمان وملذات الأزمنة الماضية لرئينا البون شاسعاً جداً فمعيشة الفرد متوسط الحال تفوق بالراحة والرفاهية والخدمة مما عاشه ملوك وأثرياء أزمنة مضت في حقبة من التاريخ سادوا وعشوا في أنظار مجتمعاتهم عيشاً لا يضاهيه أحداً في النعيم! والآن في عصر التقدم والرقي ماذا عسانا نقول في أدوات ووسائل الراحة والرفاهية والترويح عن النفس التي لم تكن تدور بخيال.
¥