371. أصح ما في الباب وجوداً صيام النبي عليه الصلاة والسلام أثناء اعتكافه, وعدماً حديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة, وأما حديث عائشة وحديث ابن عباس فلا تقوم بهما حجة.
372. سميت ليلة القدر بذلك لعظم قدرها وشرفها عند الله جل وعلا, أو لما يُقَدَّر فيها من أرزاق وآجال وأعمال. وهي خير من ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.
373. على الإنسان أن يحرص ويجتهد على أن يصيب ليلة القدر, ولا يلزم أن ينظر في الأقوال ويرجح بينها بحيث تكون عنده ليلة معينة يتعمد قيامها ويترك ما عداها, لأن هذا يبعثه على الزهد في طاعة الله جل وعلا.
374. لو ثبت تعيين ليلة القدر عند أحدٍ من الناس برؤيا فإنه لا ينبغي أن يشيع ذلك, لأن إخفاءها له حكم عظيمة, والرسول عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي أراد أن يخبرهم بعين هذه الليلة فتلاحى فلان وفلان فرُفِعَت, ورفعها من مصلحة العباد, ليجتهدوا في جميع رمضان لا سيما في العشر الأواخر.
375. الذين يتبادلون رسائل الجوال في تعيين ليلة القدر يعارضون الحكمة من إخفاءها, ويعينون بعض النفوس الضعيفة على الكسل.
376. من قام ليالي العشر أصاب ليلة القدر بيقين, لكن يحتاج أن يقومها إيماناً واحتساباً.
377. حديث ابن عمر (أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر, فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر): أي أُرُوا ما يدل على ليلة القدر, وقد تكون رؤياهم أنهم رأوا شخصاً يقول لهم إن ليلة القدر في الليلة الفلانية أو ما بين ليلة كذا إلى ليلة كذا, فكأنهم قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر. أو يكون أحدهم رآها ليلة أربع وعشرين وآخر رآها ليلة خمس وعشرين وآخر رآها ليلة ست وعشرين وهكذا في السبع الأواخر كلها, فتوافقوا على القدر المشترك الذي يشمل الجميع وهو كونها في السبع الأواخر.
378. ولا يمنع أن تكون رؤياهم قد تواطأت على ليلةٍ بعينها, والنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يعمم في السبع حرصاً على أن تضرب أمته بسهامٍ من سهام الخير, لأن التحديد ليس من المستحيل من المؤيد بالوحي.
379. قوله (فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر): يستوي في ذلك الأشفاع والأوتار, إلا أنه جاء في الأوتار ما يرجحها.
380. الليلة الأولى من السبع الأواخر يحتمل أن تكون ليلة الثالث والعشرين, ويحتمل أن تكون ليلة الرابع والعشرين, والمرجح عند أهل البصرة كأنس بن مالك والحسن البصري وسائر أئمة البصرة أنها ليلة الرابع والعشرين.
381. يختلف أهل العلم في عِظَم أجر العبادة مع الاستثقال, فهناك من يقول إن من يقبل على العبادة وهي ثقيلة عليه له أجران: أجر مجاهدة النفس وأجر أداء العبادة. لكن المقطوع به أن من يأتي بالعبادة منشرح النفس مقبلاً عليها مرتاحاً بها فهو أفضل, لأنه تعدى مرحلة المجاهدة, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول (أرحنا بالصلاة يا بلال) , ولسان حال الواحد منا (أرحنا منها).
382. ليلة الحادي والعشرين جاء فيها النص المتفق عليه (رأيت كأني أسجد صبيحتها في ماء وطين) , فسجد صبح اليوم الحادي والعشرين على ماء وطين, لأنه نزل المطر ووكف المسجد.
383. ليلة الحادي والعشرين فيها نص, وليلة السابع والعشرين فيها نص, والسبع الأواخر فيها نص, والأوتار فيها نص: مجيء النصوص بهذه الطريقة التي فيها شيء من الإشكال على بعض طلاب العلم لا شك أنه مقصد شرعي, وعدم بيان الراجح بيقين أيضاً هدف شرعي, لأن هذا كله يدل على إخفاءها, وإخفاؤها كان لكي يعمر المسلم وقتاً طويلاً بعبادة الله جل وعلا.
384. ولذا يرجح جمع من أهل العلم أنها ليست في ليلة معينة في كل سنة, ويقولون إنها تنتقل. وهذا هو المرجح, وهو الذي تدل عليه النصوص.
385. لا يمنع أن تكون ليلة القدر في ليلة الرابع والعشرين إذا كان الشهر كاملاً.
386. الرؤيا لا يبنى عليها حكم شرعي, لأن الأحكام الشرعية استقرت بنصوص الكتاب والسنة, فليس لأحد أن يبني حكماً على رؤيا, وليس له أن يصحح أو يرجح في مسألة شرعية بناءً على رؤيا, وليس له أن يصحح حديثاً أو يضعفه بناءً على رؤيا, وليس له أن يمنع الناس من عمل مباح بناءً على رؤيا, وليس له أن يسهِّل لهم في عمل محرم بناءً على رؤيا.
¥