وكل ما ورد من دعاء أو رقية ينبغي تعلمه وحفظه كما أرشد إليه النبي r في الحديث السابق: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ ... قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه: ِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاءِ الْكَلِمَات؟ ِ قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ».
وعن عبادة بن الصامت t قال: دخلت على النبي r غدوة وبه من الوجع ما يعلم الله شدته. ثم دخلت عليه العشية وقد برأ. فقال r : « إن جبريل رقاني برقية برئت، أفلا أعلمكها يا ابن الصامت؟» قلت: بلى. قال r : « باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حسد كل حاسد وعين، باسم الله يشفيك» ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn16)) .
7 – مبدأ التحفيز:كانت الرقية معروفة قبل الإسلام وكان التداوي بها شائعا. ولم يكن سلوك الصحابة y مستغربا، عندما مروا في غزوة لهم على قوم ورقوا ملكهم وكان قد لدغ. لكن الذي ميزه هو ما أحاط به من العناية النبوية الكريمة وما رافقه من التشجيع عليه من خلال بضعة حوافز:
$ قطيع الغنم:لم يكن هذا حافزا ماديا بحتا، ولم يكن أخذ الصحابة الكرام y لهدية القوم مقصودا لذاته أو لقيمتها المادية. ولكن ما فعله الصحابة قبل الأخذ، هو المقصود أساسا. وما حصل بعد ذلك لم يكن إلا وسيلة لتشجيعهم على مثل ما فعلوا. فلا المعطي ولا العطاء ولا الأخذ، بذي قيمة قبل أن ينظر النبي r في المصلحة وراء ذلك كله، ليأمرهم بالأخذ مكافأة لهم على هذه السنة الحسنة.
وقد قال لي مرة أحد الذين يأكلون برقية باطل:
- لقد ثبت أن هذا الراقي قد أعطي ثلاثين شاة. وهذا يعتبر ثروة في ذلك العهد.
- قلت: وكم عدد الصحابة الذين كانوا معه؟ لأنهم أعطوا القطيع جميعاً لاقتسامه فيما بينهم. لم يُحر صاحبنا جواباً.
- قلت: كانوا ثلاثين راكبا. كما في سنن ابن ماجة والدارقطني. ومعناه: أنهم إذا اقتسموا هذه الثلاثين شاة فيما بينهم، فلن يحصل كل واحد منهم إلا على شاة واحدة، وإن ضربوا للنبي r بسهم معهم، وآثروه على أنفسهم، فلن يحصل الواحد منهم إلا على عشاء ليلة!.
$ الابتسامة: إقرار النبي r ترجم رضاه إلى ابتسامة شريفة على شفتيه. وليس تحت الابتسامة من معان إلا كما تحت النبوة من أسرار.
لا أحد يجهل المغزى التعليمي والتربوي للابتسامة عندما تصدر من القائد أو المعلم. فكانت بذلك حافزا معنويا انضاف إلى الحافز المادي الأول. وهي تعكس كذلك واقع الرضا والفرح لما قام به الصحابة y . فكانت أيضا حافزا إيمانيا يجسد روح الرقية وهو: رضا الله ورسوله.
وأعتقد انه لو عرض حال بعض الرقاة اليوم، على معنى هذا الحديث الشريف، فإنه إن وافقهم على ما أخذوا من الأموال، إلا أنه لن تكون الابتسامة من نصيب أحدهم، بلْه أن يضرب بسهم معهم.
$ سهم النبي r : أمر النبي r أن يضرب له بسهم من القطيع، فجاء فعله r قاطعا للحرج الذي منع الصحابة من التصرف في الغنم، ودافعا للشبهة التي عرضت لهم في حكمها. فكان هذا حافزا آخر أبلغ في الأثر. وذلك عندما يقر القائد أو المعلم تلميذه على عمل ثم يعمل بمثل عمله مبالغة في تطييب نفسه وإظهار الرضا عنه، وإفهاما له أنه وُفق وأتى بالجيد. ومثل هذا الحافز سبب مباشر في التشجيع على الإبداع وتنافس المواهب يؤيده قوله r مقرا ومستحسنا: «من أين علمتم أنها رقية؟ أحسنتم واضربوا لي معكم بسهم» ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn17)) للدلالة على حسن فعلهم، وأن ما أخذوه حلال طيب لا شبهة فيه.
8 – مبدأ الاجتهاد:لم ينمُ الفكر وتتسع الأرض في الإسلام إلا بشيئين: الاجتهاد والجهاد. وذلك لأن مردهما إلى العقل والقوة، ومدارهما على بذل الجهد لبلوغ الغاية منهما.
والعمدة في هذا المبدأ حديث اللديغ السابق. حين أقر النبي r من رَقى اللديغ مجتهدا في ذلك. وكان ذلك الصحابي قد قرأ عليه بفاتحة الكتاب في رقية عجيبة لم يسبقه إليها أحد قبله. والنبي r فرح بفعله وقال له في استفهام إقراري يبين أنه اجتهد وأصاب: «وما أدراك أنها رقية؟» ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn18)) . ( وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة) ([19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn19)) .
إن الاجتهاد استعداد ذاتي مع توفيق، لا يستعار من عقل إلى عقل. وهذا عينه مبلغ تربية النبي r من صحابته y، والتي صنعت رجالا يحملون في صدورهم كل ما جاء به r ، ويمشون به مُلبّين حاجة الناس إلى المفتي والمربي والقائد والفقيه والمجاهد والزاهد وغيرهم ... وحتى لما احتاج الناس إلى راق، وجدوه حاضرا.
([1]) يعني المضمون الشركي والعمق السحري والبعد الخرافي.
([2]) المستدرك للحاكم 4/ 63. وفيه أيضا: (أنها كانت ترقي برقية في الجاهلية، فلما أن جاء الإسلام قالت: لا أرقي حتى أستأمر رسول الله r . فقال لها النبي r : « إرقي ما لم يكن شرك بالله عز وجل») 4/ 63.
([3]) الأحاديث المختارة 8/ 355.
([4]) صحيح البخاري 5/ 2166.
([5]) سنن أبي داود 4/ 10.
([6]) مسند أحمد 4/ 251. فهْم هذا الحديث محمول على الاعتقاد أن الرقية نافعة لا محالة، فيتكل عليها المريض. فمن استرقى متكلاً على الرقية، على أن البرء من قِبَلها خاصة، أخرجه ذلك من التوكل.
([7]) مسند أحمد 5/ 223.
([8]) صحيح مسلم 4/ 1718.
([9]) مسلم 5/ 2092.
([10]) مسند أحمد 1/ 452.
([11]) الترمذي 4/ 636. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([12]) صحيح البخاري 5/ 2168.
([13]) سنن أبي داود 4/ 10.
([14]) صحيح مسلم 3/ 1253.
([15]) سبق تخريجه.
([16]) سنن النسائي الكبرى 6/ 249.
([17]) سنن أبي داود 3/ 265.
([18]) صحيح مسلم 4/ 1727.
([19]) فتح الباري 4/ 457.