تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اتبع الصحابة أنفسهم ذلك المسلك على عهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الإنكار على الولاة المخالفين، فلما بلغه ذلك الإنكار أقر ه ولم يعترض عليه، بل تبرأ من الفعل المخالف، وذلك أن الغرض الأسمى هو الدفاع عن الدين وليس المحاماة عن الأشخاص، فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من رواية" سالم عن أبيه قال بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يومٌ أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرناه، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». مرتين.

لكن الأمور الاجتهادية التي تحتمل تعدد الآراء لا ينبغي الاحتساب فيها على الولاة، ولو قدر لأحد أن يحتسب فليكن ذلك بالأسلوب الأحسن الذي فيه توقير الولاة واحترامهم وعدم الجرأة عليهم، فعن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدو، فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: ما منعك أن تعطيه سلبه؟ قال: استكثرته يا رسول الله، قال: ادفعه إليه، فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسمعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستُغضب، فقال: لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ ... الحديث، فالمسألة تقديرية بحسب تقدير الوالي وليست نصية، بدليل قول خالد: استكثرته، ولا يقال هذا فيما فيه النص صريحا، فما كان لمؤمن أن يعترض على قسمة الشارع، لكن لما تكلم الرجل على خالد رضي الله تعالى عنه بطريقة غير مقبولة لما فيها من توهين قدر الأمير، منع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل الحميري من السلب بعد ما كان قد قبل بإعطائه له، ومن عجيب الأمر أن الحادثتان وقعتا مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، فإذا نظرنا للفرق بين تصرف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحالين، ورد فعله في الحالة الأولى المباين لرد فعله في الحالة الثانية تبين ما قدمناه، لكن هنا ملحوظ مهم وهو كون هذا الأمير ممن يلتزمون بالشرع ولا يخرجون عليه وهو المفهوم من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أمرائي، لكونه أضافهم إليه وهم لا يكونو ن إلا كذلك، فأمراؤه في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم من يعينهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، وأمراؤه بعد موته هم من يلتزمون شريعته ويتبعون سنته.

نماذج من حسبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم:

وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يمارسون ذلك الأمر بعد رسول الله فعن أبي سعيد الخدري: "أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم (ثلاث مرار ثم انصرف)، فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو الأمير مخالفته للسنة المعلومة، قال النووي: "وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكر عليه واليا، وفيه أن الإنكار عليه يكون باليد لمن أمكنه، ولا يجزي عن اليد اللسان مع إمكان اليد".

بل كانوا يتواصون ببينهم بذلك وكان تنفيذ ما دلت عليه نصوص الشرع أهيب في نفوسهم من أمر كل أمير فعن الحسن:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير