تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أن زيادا استعمل الحكم بن عمرو الغفاري على جيش فلقيه عمران بن حصين في دار الإمارة فيما بين الناس،

فقال له: أتدري في ما جئتك؟ أما تذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بلغه الذي قال له أميره: قم فقع في النار، فقام الرجل ليقع فيها فأدركه فأمسكه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو وقع فيها لدخل النار، لا طاعة في معصية الله، قال الحكم: بلى قال عمران: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث)

وقد انتجت هذه التذكرة من عمران نتيجتها فقد ذكر الحسن البصري رحمه الله أن زيادا بعث الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصابوا غنائم كثيرة فكتب إليه أما بعد: فإن أمير المؤمنين كتب أن يُصطفي له البيضاء والصفراء، ولا تقسم بين المسلمين ذهبا ولا فضة، فكتب إليه الحكم أما بعد: فإنك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، وإني أقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد فاتقى الله لجعل له من بينهم مخرجا والسلام، وأمر الحكم مناديا فنادى أن اغدوا على فيئكم فقسمه بينهم، وأن معاوية لما فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل، وجه إليه من قيده وحبسه، فمات في قيوده ودفن فيها وقال: إني مخاصم).

تنظيم الحسبة:

وعلى هذا المنهج مضى من سلف من الأمة لا يحتاجون في ذلك إلى وضع نظام أو ترتيب آليات لعدم الحاجة إليها ولكفاية الموجود بالقيام بالواجب في ذلك، فلما مست الحاجة إلى تنظيم ذلك، وتكوين هيئة يناط بها ذلك الأمر وتكون مسئولة عنه، أنشئت هذه الهيئة من غير أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصورا عليها، فإن التنظيم لا يدفع أصل التكليف ولا يلغيه، بل التنظيم يثبت التكليف ويقويه، ويساعد على إتقانه واستمراره، ومن هنا نشأ تنظيم الحسبة على الولاة، وظهر في التاريخ الإسلامي ما عرف بولاية المظالم والتي هي في جزء كبير من اختصاصها النظر في تعدي الولاة وظلمهم، وهي كما قال الماوردي:

" والذي يختص بنظر المظالم يشتمل على عشرة أقسام:

فالقسم الأول النظر في تعدي الولاة على الرعية وأخذهم بالعسف في السيرة، فهذا من لوازم النظر في المظالم الذي لا يقف على ظلامة متظلم، فيكون لسيرة الولاة متصفحا عن أحوالهم مستكشفا ليقويهم إن أنصفوا ويكفهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم ينصفوا ...

والقسم الثاني: جور العمال فيما يجبونه من الأموال فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة فيحمل الناس عليها ويأخذ العمال بها وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر برده، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه.

والقسم الثالث: كتاب الدواوين والإحاطة بأحوالهم لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه منهم ويوفرونه لهم من الحقوق في الحال والمآل، فيتصفح ما وكل إليهم تدبيره من الأعمال فإن وجدهم نقدوا الحق في دخل أو خرج إلى زيادة أو نقصان في تفصيل أو أجمال أعاده إلى قوانينه العادلة واستعمل السياسة معهم في المقابلة على تجاوزه ....

وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والي المظالم تصفحها إلى متظلم.

والقسم الرابع: تظلم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها عنهم وإجحاف النظر بهم فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه وينظر فيما نقصوه أو منعوه من قبل، فإن أخذه ولاة أمورهم استرجعه منهم، وإن لم يأخذوه قضاه من بيت المال.

كتب بعض ولاة الأجناد إلى المأمون أن الجند شعبوا ونهبوا، فكتب إليه لو عدلت لم يشعبوا، ولو وفيت لم ينهبوا، وعزله عنهم وأدر عليهم أرزاقهم.

والقسم الخامس: رد الغصوب، وهي ضربان، أحدهما: غصوب سلطانية قد تغلب عليها ولاة الجور كالأملاك المقبوضة عن أربابها، إما لرغبة فيها، وإما لتعد على أهلها، فهذا إن علم به والي المظالم عند تصفح الأمور أمر برده قبل التظلم إليه، وإن لم يعلم به فهو موقوف على تظلم أربابه، ويجوز أن يرجع فيه عند تظلمهم إلى ديوان السلطنة فإذا وجد فيه ذكر قبضها على مالكها عمل عليه وأمر بردها إليه ولم يحتج إلى بينة تشهد به وكان ما وجده في الديوان كافيا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير