تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيضا من أدلتها هذا القول ما جاء في صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فلما سلم أسرع يعني خرج من المسجد مسرعا ثم دخل البيت ثم لم يلبث أن خرج فقيل له، فقال: كنت قد خلفت في البيت تبرا -يعني ذهبا- من الصدقة، فكرهت أن أبيت ولم أقسمه، فقسمه عليه الصلاة والسلام قالوا ففي انصراف النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر بسرعة على وجهٍ ملفت للنظر حتى إن الصحابة سألوه عن سبب إسراعه، في هذا دليل على أن الزكاة إنما تخرج على الفور وأنه ينبغي المبادرة بإخراجها، إذ أنه لو جاز التراخي في دفعها لما أسرع النبي صلى الله عليه وسلم، ولما قال كرهت أن أبيت قبل أن تقسم.

أيضا رابعا: قالوا إن هذا المال المستثمر هو مال مستحق للفقراء والمساكين وسائر أصحاب الزكاة، وهؤلاء هم الذين يجب تمليكهم هذا المال، وهم إن أرادوا أن يستثمروا أموال الزكاة التي تدفع لهم، فهذا راجع إليهم، هذا راجع إليهم، أما أن يريد الجامع لأموال الزكاة استثمار أموال الزكاة نيابة عنهم فليس له ذلك، فالأموال الزكوية حق للفقراء والمساكين وسائر الأصناف الثمانية.

فالاستثمار في الحقيقة إنما هو راجع لهم إذا ملكوا هذه الأموال، فلو أننا ملكنا الفقير أو المسكين مال الزكاة فأراد هذا الفقير أو المسكين أن يستثمره، فهذا راجع إليه، أما أن يأتي أحد من الناس أو مؤسسة أو جمعية أو هيئة خيرية ويتدخل ويريد أن يحبس أصل مال الزكاة الواجب تمليكه لهؤلاء ويعطيهم فقط من ريعه حتى يستثمره، فليس له ذلك؛ لأنه تصرف في حقهم، ومن الذي خوله لكي يستثمر حقهم الذي فرضه الله لهم.

أيضا قالوا: إن الاستثمار لا يكون مشروعا إلا إذا كان فيه مخاطرة إذ أن الاستثمار لو كان فيه ضمان لعدم المخاطرة وذلك بأن يكون فيه ضمان عدم الخسارة أو ضمان الربح، فإن هذا الاستثمار غير جائز، الاستثمار الذي تضمن معه عدم الخسارة يضمن معه الربح غير جائز، وهذا الاستثمار المبني على المخاطرة في الحقيقة يعرض أموال الزكاة للخسارة.

ربما تستثمر أموال الزكاة في مشروع من المشاريع فيخسر ذلك المشروع، فتضيع حقوق هؤلاء الفقراء والمساكين، ثم إن حاجة الفقراء ناجزة، فيجب إخراجها على الفور، ولا شك أن استثمارها يحتاج إلى وقت طويل، فعلى سبيل المثال:

رجل دفع الزكاة عشرة آلاف ريال، لو قيل باستثمارها فلو افترضنا أنها بقيت سنة، كم سيكون ربحها والريع لها بعد تشغيلها، في الغالب أنه لا يتجاوز الربع، لكن لو أننا أعطينا هذه العشرة آلاف فقيرا أو فقراء فإنها تسد حاجة بعض هؤلاء الفقراء من جهة توفير الأكل والشرب والمسكن ونحو ذلك، ولا شك أن هذا فيه قضاء لحوائج الفقراء والمساكين، خاصة أن بعض أصحاب الزكاة من الفقراء والمساكين وغيرهم ربما تكون حاجتهم ملحة، وحينئذ فهم أولى بصرف هذا المال مباشرة بدلا من استثماره لهم.

هذه هي وجهة نظر الفريقين والأقرب والله أعلم هو القول الثاني وهو أنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة.

وممن رجح هذا من علمائنا المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- وذلك لقوة أدلته وأصول وقواعد الشريعة تدل لهذا القول، وأما ما ذكره أصحاب القول الأول القائلون بجواز استثمار أموال الزكاة من المصلحة فغير مسلم، بل إن المصلحة تقتضي أن نسلم لأصحاب الزكاة أموال الزكاة وهم الذين يتصرفون فيها.

بل إن القول باستثمار أموال الزكاة للفقراء والمساكين فيه الحقيقة إضرار بهؤلاء الفقراء والمساكين، إذ أن من الفقراء والمساكين من يعتمد في مأكله ومشربه وفي دفع الإيجار -إيجار المسكن الذي يسكن فيه- يعتمد على الزكاة اعتمادا كاملا أو شبه كامل، وحينئذ القول باستثمار أموال الزكاة وحبسها لأجل هذا الاستثمار فيه إضرار بهم، وليس فيه مصلحة ظاهرة.

ولو افترضنا أن فيه مصلحة، فيقابلها مفسدة، وهي الإضرار بالفقراء والمساكين، ومن القواعد المقررة في الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ثم لماذا لم تطرح هذه المسألة على مدار أربعة عشر قرنا، خفيت هذه المسألة على الناس على مدار أربعة عشر قرنا ثم يأتي من يطرحها في هذا الزمان.

ولا شك أنه كون العلماء لم يذكروها ولم يتطرقوا لها دليل على أنهم لا يرون مشروعية هذا الاستثمار، والزكاة عبادة، والعبادات مبنية على التوقيف، والقول بأن استثمار الزكاة فيه نفع للفقراء على المدى البعيد، هذا يمكن تحقيقه بوسائل أخرى غير الزكاة، مجالات أخرى كالوقف مثلا.

فلو جمعت أموال من المحسنين واستثمرت هذه الأموال في وقف، جمعت أموال من المحسنين من غير أموال الزكاة، واستثمرت في أوقاف ويكون ريعها للفقراء والمساكين، فإنه يحقق هذا الغرض، فلا تتعين أموال الزكاة لتحقيق هذا الغرض، فهناك مجالات أخرى ووسائل أخرى يمكن أن يحقق من خلالها هذا الغرض كالوقف مثلا، وبهذا يتبين.

أما قولهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع إبل الصدقة ويستسمنها، فنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يجمع إبل الصدقة لأجل صرفها في مصارفها الشرعية، وليس لأجل استثمارها، وإنما لأجل أن يصرفها في مصارفها الشرعية.

وبهذا يتبين أن القول الصحيح في هذه المسألة هو ما عليه أكثر أهل العلم من أنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة، وإنما طرحنا هذه المسألة لأنها تثار الآن بقوة من بعض القائمين على الجمعيات والمؤسسات الخيرية، فيرون أن في هذا الاستثمار مصلحة لأصحاب الزكوات، ولكن ظاهر النصوص والأصول والقواعد الشرعية يدل على أنه لا يجوز مثل هذا الاستثمار، وأنه يجب أن تدفع الزكاة على الفور لأصحابها المستحقين لها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير