تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا لا يستقيم ما ذكره ابن خزيمة من حمل قول ابن عباس"أصاب السنة" على ترك ابن الزبير التجميع بالناس.

وأما ما ذكره ابن خزيمة من أن تقديم الخطبة قبل صلاة العيد خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فصحيح؛ فقد أخرج البخاري في كتاب العيدين ­ باب الخطبة بعد العيدمن حديث ابن عباس ­ رضي الله عنهما ­ أنه قال: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ­ رضي الله عنهم ­ فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة.

فعلى هذا لايمكن أن يكون مراد ابن عباس بقوله"?أصاب السنة" تقديمه الخطبة على الصلاة. وقد أخرج مسلم في كتاب صلاة العيدين من طريق عبدالرزاق قال: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها. قال:فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه، وأرسل إليه مع ذلك: إنما الخطبة بعد الصلاة، و إن ذلك قد كان يفعل. قال: فصلى ابن الزبير قبل الخطبة. والحديث بهذا السند والمتن في مصنف عبدالرزاق ­ كتاب صلاة العيدين ­ باب الأذان لهما، وفي آخره: فسأله أصحابه: ابن صفوان وأصحاب له قالوا: هلا آذنتنا! فاتتهم الصلاة يومئذ. فلما ساء الذي بينه وبين ابن عباس لم يعد ابن الزبير لأمر ابن عباس. وقد أخرج الحديث مختصرا البخاري في كتاب العيدين ­ باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة.

وفي خبر ابن الزبير أيضا أنه أخر الخروج حتى تعالى النهار، وهذا مخالف لما ثبت من سنتهصلى الله عليه وسلم بالتبكير بصلاة العيد، فقد أخرج أحمد في مسنده قال: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو حدثنا يزيد بن خمير قال: خرج عبدالله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إن كنا مع النبيصلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه. وذلك حين التسبيح. وهذا الحديث ليس في المطبوع من المسند، ولم أجده في طبعة الرسالة الجديدة أيضا. وقد ذكره ابن حجر في أطراف المسندورواه بسنده إلى المسند في تغليق التعليق.

والحديث أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ­ باب وقت الخروج إلى العيدعن أحمد به لكن ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.وسند أحمد صحيح. وقد أخرجه الحاكم الحديث في مستدركه ­ كتاب العيدين من طريق أحمد، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص.

قال ابن حجر في تغليق التعليق 2/ 376 معلقا: أما الحديث فصحيح الإسناد لا أعلم له علة، وأما كونه على شرط البخاري فلا فإنه لم يخرج ليزيد بن خمير في صحيحه شيئا. والله أعلم.

وقد علقه البخاري في صحيحه في كتاب العيدين ­ باب التبكير إلى العيد.

فقال: وقال عبدالله بن بسر: إن كنا فرغنا في هذه الساعة. وذلك حين التسبيح. قال ابن حجر: قوله "وذلك حين التسبيح" أي وقت صلاة السبحة، وهي النافل وذلك إذا مضى وقت الكراهة. وفي رواية صحيحة للطبراني:" وذلك حين تسبيح الضحى. (فتح الباري2/ 457)

والمقصود أن ابن الزبير أخر الصلاة حتى ارتفع النهار. وهذا خلاف السنة في صلاة العيد. فهذه ثلاثة أمور وقعت فيها المخالفة: تأخير الصلاة حتى ارتفاع النهار، وتقديم الخطبة على الصلاة، وعدم إقامة الجمعة؛ ليتمكن من لم يصل العيد من صلاة الجمعة، ومن يريد أن يصلي الاثنتين من مراده. فلا يمكن أن يحمل قول ابن عباس"أصاب السنة" على هذا كله، وإنما يجوز حمله على أصل القول بإجزاء العيد عن الجمعة. ويمكن أن يقال: إن الصلاة التي صلاها ابن الزبير هي صلاة الجمعة واكتفى بها عن صلاة العيد. وبهذا تزول الإشكالات التي تقدم إيرادها على ما فعله. قال الخطاب في معالم السنن: وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال قال: فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع له. وقال ابن قدامة: وإن قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد فقد روي عن أحمد قال: تجزئ الأولى منهما. فعلى هذا تجزئه عن العيد والظهر، ولا يلزمه شيء إلى العصر عند من جوز الجمعة في وقت العيد. ثم ذكر فعل ابن الزبير وتعليق الخطابي ثم قال: فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط العيد والظهر، ولأن الجمعة إذا سقطت مع تأكدها، فالعيد أولى أن يسقط بها. أما إذا قدم العيد فإنه يحتاج إلى أن يصلي الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة.

ويؤيد القول بأن الصلاة التي صلاها ابن الزبير هي الجمعة أنه بعد أن صلى تلك الصلاة لم يخرج إلا لصلاة العصر. فقد أخرج عبدالرزاق في كتاب صلاة العيدين ­ باب اجتماع العيدين عن ابن جريج قال: قال عطاء: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما فليصل ركعتين قط، حيث يصلي صلاة الفطر، ثم هي هي حتى العصر. ثم أخبرني عند ذلك قال: اجتمع يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمان ابن الزبير، فقال ابن الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا بجعلهما واحدا، وصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر، ثم لم يزد عليها حتى صلى العصر. قال: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه. قال: ولقد أنكرت أنا ذلك عليه، وصليت الظهر يومئذ. قال: حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا كذلك صليا واحدة. وأخرجه ابن المنذر في الأوسط. من طريق عبدالرزاق به. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ­ باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد من طريق أبي عاصم عن ابن جريج قال: قال عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا، فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر. وسند عبدالرزاق صحيح عن عطاء وعن ابن الزبير. فابن جريج ثقة حافظ، وقد صرح بالإخبار، وقد ذكر هو عن نفسه أنه إذا قال: قال عطاء؛ فقد سمعه منه.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم والعمل والإخلاص والقبول. وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

وكتبه الدكتور بسام الغانم العطاوي

رئيس الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين في الدمام

وخطيب جامع الزبير بن العوام

في 3/ 12/1422، ثم زدت فيه في 16/ 11/1425.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير