إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك، لكان دين الرسول ناقصًا، محتاجًا تتمة. وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة نهى الله عنها. ......
كما أن الأحكام تجب مراعاتها كما نبه على ذلك أهل العلم
قال خلاف رحمه الله في علم أصول الفقه:
ولا يجوز الإخلال بالأحكام الشرعية ما كان يدخل فيها بحكم الضروريات إلا إذا كانت مراعاة ضروري تؤدي إلى الإخلال بضروري أهم منه، ولهذا وجب الجهاد حفظا للدين وإن كان فيه تضحية للنفس. انتهى
وقد ينتج عن اتباع الهوى والشهوات باسم المصلحة الشرعية جناية على الدين وأهله فالغاية والهدف منها ليس تحقيق مصلحة الدين وإنما تحقيق مصالح دنيوية أو شخصية، واعتذارهم بالمصلحة الشرعية، هروبا من واقعهم المخزي والأليم، من أجل حفظ ماء الوجوه خوفا من الاعتراف بالخطأ والوقوع بالزلل.
ولذلك أطلق أهل الأصول على بعض تلك المصالح بما يسمى بالمصالح الملغاة: وهي مصالح متوهمة لا حقيقة لوجودها إلا بفكر العصرانيين أو الإصلاحيين؟؟!!! زعموا
وهذه المصالح تكون مصادمة للمقاصد الإسلامية الكبرى فيهمل مقصد ضروري من أجل مراعاة مقصد تحسيني كمن أباح يسير الربا، أو كمن أجاز اقتراضه من أجل شراء سيارة أو بناء بيت، أو القول بأن الدين الإسلامي دين مساواة، أو إلغاء تعدد الزوجات، أو القول بأن التعدد لا يكون إلا لمصلحة راجحة، أو أنه لا يتناسب مع قوانين العصر، تحقيقا لمصلحة الأمة الإسلامية مع مقتضيات العصر ومجاراة للفكر الغربي، خوفا من أن يتهم الإسلام بأنه رجعي أو معتد على حقوق المرأة
بل تعدى البعض فعطل شرع الله وصرحوا علانية بأنهم لن يطبقوا شرع الله في ظنهم أن المصلحة تستوجب عليهم ذلك، لكنها والله ليست المصلحة الشرعية وإنما المصلحة الدنيوية التي تحفظ عليهم دنياهم وتذهب بآخرتهم.
وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله، فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، و إلا فلو كان نفعه أعظم غالبًا على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم، لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين.
إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر. فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية. انتهى
ألا وقد خابوا وخسروا!!!.
وقد بلغ الأمر عند أحدهم أن يترحم على بابا الفاتيكان، وآخر بوجوب دخول أهل السنة جيش الروافض مما يلزم منه أن يخضع هذا المسلم لحكم تلك الفئة الضالة، وينصر ويقوي شوكتهم، ويضعف شوكة المسلمين
ألا وقد خابوا وخسروا!!!.
جاء في الشرح على روضة الناظر للدومي:
لا يجوز للمجتهد كلما لاح له مصلحة تحسينية أو حاجية أن يعتبرها ويرتب الأحكام عليها حتى لا يجد لاعتبارها شاهدا من جنسها ولو لم يعتبر للتمسك بهذه المصلحة وجود أصل يشهد لها للزم منه محذورات
أولا: أن ذلك يكون وضعا للشرع بالرأي لأن حكم الشرع هو ما استفيد من دليل شرعي وهذه المصلحة لا تستند إلى شيء من ذلك فيكوم رأيا مجردا.
ثانيا: لو جاز ذلك لاستوى العالم والعامي لأن كل أحد يعرف مصلحة نفسه.
ثالثا: لو جاز ذلك لاستغنى عن بعثة الرسل وصار الناس براهمة. انتهى
ولذلك ذكر أهل العلم شروطا ينبغي مراعاتها عند العمل بالمصلحة الشرعية
أولا: الملائمة: بمعنى أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع فلا تخالف أصلا من أصوله، ولا تنافي دليلا من أدلة أحكامه، بل تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصيلها، أو قريبة منها ليست غريبة عنها.
ثانيا: أن تكون معقولة بذاتها، بحيث لو عرضت على العقول السليمة لتلقتها بالقبول
ثالثا: أن يكون الأخذ بها لحفظ ضروري، أو لرفع حرج، لأن الله تعالى يقول:" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ".
ويضيف عبد الكريم زيدان بعد أن ذكر تلك الشروط عن أهل العلم وكما نبهنا عليها سابقا من كلام الشاطبي رحمه الله:
وهذه الشروط، في الواقع، ضوابط للمصلحة المرسلة تبعدها عن مزالق الهوى ونزوات النفس، ولكن ينبغي أن يضاف إليها شرطان آخران:
أن تكون المصلحة التي تترتب على تشريع الحكم مصلحة حقيقية لا وهمية،
وأن تكون المصلحة عامة لا خاصة، أي أن يوضع الحكم لمصلحة عموم الناس لا لمصلحة فرد معين أو فئة معينة.
قال الشنقيطي رحمه الله في مذكرته على شرح روضة الناظر:
والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وإن قرروا في أصولهم أنها غير حجة كما أوضحه القرافي في التنقيح. انتهى
ولننظر إلى بعض تلك المصالح التي أخذ بها سلفنا الصالح ولنقارنها بمصالح دعاة هذه الأيام
فقد جمع الصحابة رضي الله عنهم القرآن الكريم ولا يوجد في القرآن ولا السنة ما يدل على هذا العمل لكنهم رأوا أن من المصلحة فعل ذلك.
وقرروا تضمين الصناع، لكن حرصا على أموال المسلمين وعدم استهانة البعض في ذلك
كما فرضوا على الأغنياء الأخذ من أموالهم إن خلا بيت مال المسلمين منه واحتاجت الدولة له في الحروب حتى لا تتعرض البلاد للضياع والهلاك
فهذه بعض الأمثلة التي تدل على العمل بالمصلحة الشرعية مع الأخذ بالشروط التي ذكرناها عن أهل العلم ومناسبتها لها، مع عدم الإخلال بأصول الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها للأدلة الشرعية إلا ما كان منها في حفظ أمر ضروري على حساب تحسيني، وليس إهمال ضروري على حساب حاجي أو تحسيني، وكون هذه المصالح حقيقية لا وهمية وغير مبنية على أصول فاسدة.