تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تُرَاثُ الأَعْلاَمِ .. مِنْ فِكْرَة إِلَى نَشْرَة (الدكتور جمال عزون الجزائري)

ـ[ابو عبد الرحمن الجزائري]ــــــــ[11 - 06 - 08, 12:41 م]ـ

تُرَاثُ الأَعْلاَمِ .. مِنْ فِكْرَة إِلَى نَشْرَة

للشيخ د/ جمال عزون ( http://www.rayatalislah.com/kouttab/sheykh-azzoune.htm)

(http://www.rayatalislah.com/kouttab/sheykh-azzoune.htm)

تزخر خزائن الكتب في الخافقين بعدد هائل من آثار أعلام المسلمين في شتّى مجالات المعرفة، وهي تمثّل رصيداً قيّماً تفخر به الحضارة الإسلاميّة، وتسعد به لأنّه من إنتاج أبناء لها بررة، بذلوا جهوداً عظيمة في صناعة هذه التّآليف التي وصلت إلينا في شكل مخطوطات عبر رحلة زمنيّة طويلة تعرّضت فيها لمخاطر الفناء وأسباب الضّياع والتّلف، فضاع منها ما ضاع وبقيت لنا رسومه في كتب الآخِرين، ونجا منها عدد كثير لا يستهان به، غير أنّ هذا الذي وصلنا منه وصل جريحاً عليه علامات الإعياء، وأمارات المرض، ومؤشّرات النّقص، ونحوها من آثار قد لا تعطينا تصوّراً دقيقاً عن الشّكل الأوّل الذي وضع مؤلّفو الكتب كتبهم عليه، ومن هنا تعظم مسؤوليّة الأسرة التّراثيّة في خدمة كتب أعلامنا خدمة تليق أوّلاً بمقامهم العلمي، وتتناسب ثانياً مع الجهد الذي بذلوه في صناعة هذه الكتب صناعة كانت لها آثار واضحة في دفع مسار الحضارة الإسلاميّة إلى التّقدّم والازدهار، ولذا كان ضَعف إخراج النّصوص التّراثيّة وعدم الدّقّة والإتقان في التّعامل معها له آثار سلبيّة موجعة من أبرزها عزوف القارئ عن قراءة الكتاب والاستفادة منه في مجاله الدّراسي.

إنّ أعلامنا الأخيار كانوا يتوخّون هدفاً نبيلاً فيما يصنّفون وهو ابتغاء الأجر والثّواب من عند الله جلّ جلاله، لأنّ كتبهم وآثارهم تعدّ أعماراً ثانية على حدّ قول الشّاعر:

يموت أقوام فيحيي العلم ذكرهم * والجهل يلحق أمواتاً بأموات

فكلّما استفاد من كتابه من استفاد كان ذلك في ميزان حسنات هذا المؤلّف، ولك أن تتخيّل كتاباً كجامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري المتوفّى سنة 310هـ، ومدى استفادة النّاس منه استفادة واضحة نحسب أنّ ذلك كلّه بإخلاص مؤلّفه الذي مضى على وفاته قرابة عمر نوح عليه السّلام، أفلا يحقّ أن يقال: إنّ الطّبري حيّ معنا قد كتب له حقّ عمر آخر، وقس عليه أمثاله من عباقرة التّأليف الذين بقيت مؤلّفاتهم تترى بين أيدي النّاس رغم الأحقاب والأزمنة التي مرّت، وهذا الإمام البيهقي يقول عنه عبد الغافر الفارسي في كتابه «السّياق لتاريخ نيسابور» (1) بعد أن ذكر جملة من تآليفه:

«وغير ذلك من التّصانيف المتفرّقة المفيدة جمع فيها بين علم الحديث وعلله، وبيان الصّحيح والسّقيم، وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث، ثمّ بيان الفقه والأصول، وشرح ما يتعلّق بالعربيّة، على وجه وقع من الأئمّة كلّهم موقع الرّضا، ونفع الله تعالى به المسترشدين والطّالبين، ولعلّ آثاره تبقى إلى القيامة».

ومن هنا تتجلّى مسؤوليّة المتعامل مع أمثال هذه النّصوص التي يجب عليه شرعاً أن يخرجها في ثوب علمي صحيح أقرب ما يكون إلى وضعها الأوّل الذي وضعه مصنّفه، وواضح بعد هذا أنّ الإهمال في إخراج الكتاب هو اعتداء قبل كلّ شيء على مؤلّفه الأوّل الذي يخشى أن يتناول من حسنات محقّقه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

إنّ أيّ كتاب صنّفه أحد الأعلام لا يخلو من المراحل الآتية التي سبقت ظهوره:

أوّلا: أفكار وخواطر تتجمّع في ذهن المؤلّف حول موضوع الكتاب.

ثانياً: جمع مادته العلميّة التي تشكّل حجر الأساس للكتاب.

ثالثاً: نسخ الكتاب في شكل مسوّدة قابلة للإضافة.

رابعاً: تبييض الكتاب في شكله النّهائي.

خامساً: بداية انتشار الكتاب في شكل نسخ فرعيّة انتسخت عن أصل المؤلّف الأوّل.

وهذا يعني تعدّد نسخ الكتاب الواحد، ولذلك أسباب من أهمّها:

أ ـ تعدّد الرّواة عن المؤلّف:

فهذا ابن ماكولا كان يمتلك نسختين من كتاب «تاريخ مصر» لابن يونس إحداهما بخطّ الصّوري، والأخرى بخطّ ابن الثّلاّج (2).

ب ـ كثرة إملاء المصنّف لكتابه مرّات عدّة:

فكتاب «الجمهرة» لابن دريد له نسخ كثيرة أملاه مؤلّفه بفارس وبغداد، وآخر ما صحّ من النّسخ نسخة أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النّحوي؛ لأنّه كتبها من عدّة نسخ وقرأها عليه (3).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير