تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من درر ابن الجوزي]

ـ[أبو القاسم المصري]ــــــــ[19 - 05 - 08, 10:38 م]ـ

فصل: إنما يتعثر من لم يخلص

تفكرت في سبب هداية من يهتدي، و إنتباه من يتيقظ من رقاد غفلته،

فوجدت السبب الأكبر اختبار الحق عز وجل لذلك الشخص،

كما قيل: إذا أرادك لأمر هيأك له.

فتارة تقع اليقظة بمجرد فكر يوجبه نظر العقل،

فيتلمح الإنسان وجود نفسه، فيعلم أن لها صانعاً، و قد طالبه بحقه، و شكر نعمته، و خوفه عقاب مخالفته،

و لا يكون ذلك بسبب ظاهر.

و من هذا ما جرى لأهل الكهف:

إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات و الأرض.

و في التفسير:

أن كل واحد منهم ألقى في قلبه يقظة، فقال: لا بد لهذا الخلق من خالق،

فاشتد كرب بواطنهم من وقود نار الحذر، فخرجوا إلى الصحراء، فاجتمعوا عن غير موعد.

فكل واحد يسأل الآخر: ما الذي أخرجك. . .؟ فتصادقوا.

و من الناس من يجعل الخالق سبحانه و تعالى لذلك السبب الذي هو الفكر و النظر سبباً ظاهراً،

إما من موعظة يسمعها أو يراها،

فيحرك هذا السبب الظاهر فكرة القلب الباطنة،

ثم ينقسم المتيقظون،

فمنهم

من يغلبه هواه و يقتضيه طبعه، ما يشتهي مما قد إعتاده فيعود القهقرى،

و لا ينفعه ما حصل له من الإنتباه،، فإنتباه مثل هذا زيادة في الحجة عليه.

و منهم

من هو واقف في مقام المجاهدة بين صفين:

العقل الآمر بالتقوى، الهوى المتقاضى بالشهوات.

فمنهم

من يغلب بعد المجاهدات الطويلة فيعود إلى الشر و يختم له به.

و منهم من يغلب تارة و يغلب أخرى، فجراحاته لا في مقتل.

و منهم من يقهر عدوه فيسجنه في حبس، فلا يبقى للعدو من الحيلة إلا الوساوس.

و من الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، و مذ سلكوا ما وقفوا. فهمهم صعود و ترق.

كلما عبروا مقاماً إلى مقام، رأوا نقص ما كانوا فيه فاستغفروا.

و منهم من يرقى عن الإحتياج إلى مجاهدة،

إما لخسة ما يدعو إليه الطبع عنده و لا وقع له.

و إما لشرف مطلوبه فلا يلتفت إلى عائق عنه.

و اعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام،

إنما يقطع بالقلوب.

و الشهوات العاجلة قطاع الطريق،

و السبيل كالليل المدلهم.

غير أن عين الموفق بصر فرس، لأنه يرى في الظلمة، كما يرى في الضوء.

و الصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، و إنما يتعثر من لم يخلص.

و إنما يمتنع الإخلاص ممن لا يراد،

فلا حول و لا قوة إلا بالله.

ـ[أبو القاسم المصري]ــــــــ[20 - 05 - 08, 05:22 م]ـ

فصل أهل الدنيا وأهل الآخرة

لما جمعت كتابي المسمى بالمنتظم، في تاريخ الملوك والأمم، اطلعت على سير الخلق من الملوك والوزراء والعلماء والأدباء والفقهاء والزهاد وغيرهم، فرأيت الدنيا قد تلاعبت بالأكثرين تلاعباً أذهب أديانهم، حتى كانوا لا يؤمنون بالعقاب.

فمن الأمراء من يقتل ويصادر ويقطع ويحبس بغير حق ثم ينخرط في سلك المعاصي كأن الأمر إليه، أو قد جاءه الأمن من العقاب.

فربما تخايل أن حفظي الرعايا يرد عني؟ وينسى أنه قد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " قُلْ إِنِّي أًخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ".

وقد انخرط جمع ممن يتسم بالعلم في سلك المعاصي لتحصيل أغراضهم العاجلة فما نفعهم العلم.

ورأينا خلقاً من المتزهدين خالفوا لنيل أغراضهم، وهذا لأن الدنيا فخ والناس كالعصافير، والعصفور يريد الحبة وينسى الخنق.

قد نسي أكثر الخلق مآلهم ميلاً إلى عاجل لذاتهم، فأقبلوا يسامرون الهوى ولا يلتفتون إلى مشاورة العقل.

فلقد باعوا بلذة يسيرة خيراً كثيراً، واستحقوا بشهوات مرذولة عذاباً عظيماً.

فإذا نزل بأحدهم الموت قال: ليتني لم أكن، ليتني كنت تراباً، فيقال له ألآن؟.

فواأسفي لفائت لا يمكن استدراكه، ولمرتهن لا يصح فكاكه، ولندم لا ينقطع زمانه، ولمعذب عز عليه إيمانه بالله.

بالله ما نفعت العقول إلا لمن يلتفت إليها ويعول عليها.

ولا يمكن قبول مشاورتها إلا بعزيمة الصبر عما يشتهى.

فتأمل في الأمراء عمر بن الخطاب وابن عبد العزيز رضي الله عنهما، وفي العلماء أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وفي الزهاد أويس القرني.

لقد أعطوا الحزم حقه وفهموا مقصود الوجود.

وما هلك الهالكون إلا لقلة الصبر عن المشتهى.

وربما كان فيهم من لا يؤمن بالبعث والعقاب.

وليس العجب من ذاك إنما العجب من مؤمن يوقن، ولا ينفعه يقينه ويعقل العواقب ولا ينفعه عقله

ـ[أم الفرسان]ــــــــ[19 - 08 - 10, 11:58 ص]ـ

بارك الله فيكم وزادكم علماً

ـ[محمد محمود الشنقيطى]ــــــــ[19 - 08 - 10, 12:41 م]ـ

بارك الله فيك أخي ورحم الله الإمام ابن الجوزي رحمة واسعة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير