هل يحزن أهل الجنة على أقربائهم وأحبابهم وهم يُعذبون في النار؟
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[23 - 05 - 08, 03:36 ص]ـ
هل يحزن أهل الجنة على أقربائهم وأحبابهم وهم يُعذبون في النار؟
نعتقد أن ساكني الجنة لن يقلقوا على أي شيء، لكن لو أن شخصاً من عائلته، أو محبوبه دخل النار: كيف يمكنه أن يكون سعيداً مع علمه أنهم يعاقبون؟
الحمد لله
كتب الله لأهل الجنة السعادة، والفرح، والسرور، فهم يتقلبون في نعَم الله تعالى، ونعيمه، بفضلٍ منه ورحمة، وليس في الجنة حزن، ولا هم، ولا غم، لأهلها، بل هم في نعيم دائم، وفضل عميم، من ربهم الرحمن الرحيم.
قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/ 112.
وقال تعالى: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) التوبة/ 21.
ومما لا شك فيه أن بعض من يدخل الجنة سيكون له أصحاب، وأحباب، وأقرباء، وأهلون، من أهل النَّار، فهل سينغص ذلك عليه سعادته، ويكدِّر عليه صفو نعيمه؟ الجواب: كلا، لن يكون ذلك البتة، ولم نجد شيئاً في الشرع – على حد علمنا – منصوصاً عليه في ذات المسألة، لكننا يمكننا الجزم بما ذكرناه، وأن لذلك أسباباً كثيرة، منها:
1. علم أهل الجنة بالحكم الشرعي.
2. تسليمهم بالحكمة الربانية.
3. ونعيمهم وهناؤهم العظيم ينسيهم ما فيه غيرهم من المستحقين للعذاب.
ولنقف مع ما يؤيد ذلك مع موقفين اثنين:
الأول: لإبراهيم عليه السلام مع أبيه الكافر، يوم القيامة.
والثانية: لرجل من أهل الجنَّة له صديق رآه من الجنَّة وهو في وسط جهنَّم.
أما الموقف الأول: فإن إبراهيم عليه السلام كان قد دعا ربَّه تعالى أن لا يخزيه يوم البعث، وعندما يكون الحكم على أبيه الخلود في جهنَّم: يطلب إبراهيم عليه السلام من ربه تعالى أن يحقق له دعاءه في أبيه، فيُؤتى بأبيه أمامه، فيمسخه الله ضبعاً، فيؤخذ بقوائمه، فيُلقى في نار جهنَّم، ويُخبر إبراهيم عليه السلام بحكم الله تعالى في عدم دخول الكفار الجنَّة، فيسلِّم إبراهيم عليه السلام للحكم، والحكمة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزيَني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار. رواه البخاري (3350).
الذِّيخ: ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ: لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر.
وقيل في مسخ أبيه بضبع ملطّخ أمام إبراهيم: حتى لا يكون لإبراهيم عليه السلام تعلُّق بصورة أبيه الحقيقية وهو في نار جهنم، وقيل: هو استجابة لدعائه، وقيل غير ذلك، وبكل حال: فإن هذا يصلح دليلاً على تسليم أهل الجنَّة بما قدَّره الله تعالى على المستحقين للخلود في نار جهنَّم.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ - في الحكمةِ من مسخِ آزر على صفةِ الذيخِ -:
قيل: الحكمة في مسخه: لتنفر نفس إبراهيم منه؛ ولئلا يبقى في النار على صورته، فيكون فيه غضاضة على إبراهيم.
¥