تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مقال جيد للدكتور مالك الاحمد (شيوخ في كل فن)]

ـ[ابن عايض]ــــــــ[04 - 02 - 09, 09:15 م]ـ

مع التطور والتوسع في كافة فنون العلم والمعرفة، أصبح من الصعب على الإنسان متابعة ما يجري، فضلا عن أن يدلي بدلوه في كل قضية.

في العالم العربي شيوخ وعلماء وطلبة علم، لهم حضور بارز في الفتوى والتعليم الديني والتوجيه والوعظ العام .. جهدهم معروف ومشكور ودورهم هام ومطلوب ..

الناس تحتاج لفتاواهم ودروسهم وتوجيهاتهم، والبعض منهم تخصص في أحد الفنون، كالتفسير أو العقيدة أو الفقه وغيره، وقد نجح في أن يلم شتات هذا العلم، بحثا وتنقيبا وتحقيقا ونشرا، مما كان له الأثر الإيجابي العام والهام في المجتمعات العربية والإسلامية.

في جانب فنون المعرفة الإنسانية الأخرى، نجد العلماء والمتخصصين في كل فن كعلم الاجتماع وعلم النفس والسياسة والإعلام وغيرها. كل له دوره وأثره، وقد تجد أحدهم متخصصا في جزئية من هذه العلوم كعلم نفس الطفل أو علم اجتماع الأسرة وهكذا ..

الجديد والمستغرب هو دخول شيوخ وعلماء متخصصون في الشريعة (أو قل في أحد فروعها) بدأوا ينافسون أهل الاختصاص في هذه العلوم الإنسانية.

أعرف شيخا يجيب على فتاوى الناس وله دروس علمية شرعية ذات فائدة عظيمة (ضمن تخصصه)، لكنه بدأ يدلي بدلوه في كافة الفنون، فتجده مستشارا اجتماعيا أحيانا ومنظرا في السياسة العالمية أحيانا أخرى، كما أن له في الإعلام باعا، وقد ينظر في علم النفس.

الثقافة العامة مطلوبة ـ وخاصة للأشياخ والعلماء ـ لكن أن يتحول دور العالم إلى مفتي في الشؤون العامة، والتي قد يعجز جهابذتها من أهل التخصص عن الإدلاء برأيهم فيها، فهذا عجيب.

بدأت تحصل مناظرات ثقافية بين بعض العلماء والمثقفين، ودارت نقاشات متعددة، لكن الغريب أن لعلماء الشريعة ـ حفظهم الله ـ الدور المعلى في هذا الجانب، رغم عدم إلمامهم وعدم تخصصهم، مما نتج عنه آراء غير سديدة أحيانا وأقوال غير موفقة أحيانا أخرى.

شيخ آخر يريد أن ينشئ مشروعا إعلاميا، وهو رغم تخصصه في الفقه، إلا أنه يرى أن يتدخل في كل جزئية، بدءا من راتب الموظف حتى أدق التفاصيل التقنية.

شيخ آخر مهتم بالقنوات الفضائية، وله صولة وجولة في الميدان، استطاع أن يجمع المال، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال.

في الشأن السياسي، وجدنا من طلبة العلم من ينظر في القضايا السياسية ويفتي في أدق التفاصيل، دون أن يلم بالواقع والمفاهيم والأنظمة السياسية، كما أنه قد يعلق أحيانا على أحداث، معينة مرتبطة بالتاريخ والجغرافيا السياسية وثقافة البلدان، دون أن يمتلك من هذه المؤهلات شيء.

لسنا نقلل من شأن العلماء والأشياخ، لكن موقعهم ـ سدد الله خطاهم ـ ليس هنا. يمكن أن يكونوا في الهيئة الشرعية الاستشارية، لكن إدارة المشاريع والإشراف عليها، فهذا شأن آخر. حتى في الإعلام الدعوي الديني، يجب أن يتولاه متخصصون من أهل الإعلام وليس طلبة علم أو أشياخ، فهذه أدوات تحتاج خبير ماهر لتسخيرها في توصيل الرسالة. نعم العلماء يشاركون في المشروع، كتابة أو محاضرة، لكن الإدارة ـ خصوصا في الشأن الإعلامي ـ شيء مختلف.

ليس هناك ما يمنع من وجود مستشارين متخصصين للعلماء في الفنون المتخصصة يساعدوهم في فهم الواقع ويسددونهم، لاستيعاب القضايا الإنسانية لكن المحذور كل المحذور أن يتصدى العالم وطالب العلم لكل قضية، ويظن أنه لمقدرته على الفتوى الشرعية، فله أن يدلي فيها بدلوه.

أعرف طالب علم متخرج من كلية شرعية لا يعرف علم الاجتماع ولم يدرس علم النفس فضلا عن التربية والسلوك أصبح مستشارا اجتماعيا يبدي وجهة نظره حتى في قضايا الفراش والعلاقات الزوجية وفنون المعاشرة.

نحن نعيش في زمن التخصص منذ قرون، ومضطرون للتخصص الفرعي، كي نتقن العلم ونستطيع الإدلاء بدلونا فيه، فمال البعض يخالف في ذلك!.

أحد الأشياخ ألقى قنبلة لفظية في لقاء معه حول قضية إعلامية، مما سبب ضجة محلية وعالمية، كان في غنى عنها لو استشار أهل التخصص وانتفع من أهل الخبرة.

لقد ولى زمن العالم أو الشيخ الموسوعة، ومن بقي يسلك هذا المسلك، كثر سقطه وتراكمت زلاته، وأصبح البعض ـ أحيانا ـ محل تندر.

إن امتلاك الأدوات والعلوم الشرعية شيء محمود ومطلوب، بل هو فرض على الأمة، لكن وضع العصر لا يُمكن طالب العلم من الإلمام بكل شيء فضلا عن أن يفتي فيه.

سلفنا الصالح وعلماؤنا المتقدمون كانوا يتحرجون من الإجابة، وكان الواحد منهم يتمنى أن يكفيه أخاه في المسألة (هذا في الشأن الفقهي فضلا عن غيره)، أما الآن فالأمر خلاف ذلك. بل يندر أن تجد من طلبة العلم من يقول "لا أدري"، أو يقول دعني أبحث في المسألة مع متخصص، أو أستزيد فيه بحثاً وتقصياً.

يلتقي الإنسان بأناس أمضوا السنين الطويلة في تخصصهم ومارسوا المهنة بأنفسهم (الإعلام على سبيل المثال)، ومع ذلك يقول أحدهم إن بضاعته في الإعلام هزيلة وتجربته يسيرة؛ في نفس الوقت ترى طالب علم، جيد في تخصصه الشرعي، يدلي بالقضايا الإعلامية كأنه من أهلها، ويتابع مشروعاً إعلامياً وليس له من بضاعة الإعلام نصيب.

ختاما، أدعو إلى التكامل والتحالف والتعاون بين الأشياخ والعلماء من جهة، وأهل الاختصاص في العلوم الإنسانية من جهة أخرى، كي نستطيع أن نخرج بمشاريع ناجحة ورؤى صائبة تخدم الأمة، وتكون أنموذجا يقتدى به للتأثير وقيادة الأمة.

منقول من مجلة العصر الالكترونية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير