ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني، صاحب الإمام أحمد، في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت مَن أدركت مِن علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم
فكان من قولهم:
أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلا إلى أن قال:
ونعرف للعرب حقها، وفضلها، وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق) – رواه الحاكم في "المستدرك" (4/ 97) وقال الذهبي: الهيثم بن حماد متروك، وانظر "السلسلة الضعيفة" (1190) - ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف.
ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الإصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم.
وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم، وهؤلاء يسمون الشعوبية، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل القبائل للعرب، والشعوب للعجم.
ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب.
والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق: إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت ذلك.
ولهذا جاء في الحديث: (حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق).
مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس، ونصيب للشيطان من الطرفين، وهذا محرم في جميع المسائل.
فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمر بإصلاح ذات البين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله)
وهذان حديثان صحيحان، وفي الباب من نصوص الكتاب والسنة ما لا يحصى.
والدليل على فضل جنس العرب، ثم جنس قريش، ثم جنس بني هاشم:
ما رواه الترمذي من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله! إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا) قال الترمذي: هذا حديث حسن، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل.
[الحديث رواه الترمذي (3607) وأحمد (17063)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع].
والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها وإن كان أصلها ليس بذاك، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير الناس نفسا ونسبا.
وروى الترمذي أيضا من حديث الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله ابن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة قال: جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه سمع شيئا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال:
من أنا؟ فقالوا: أنت رسول الله صلى الله عليك وسلم. قال: أنا محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، ثم قال: إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا) قال الترمذي: هذا حديث حسن.
[رواه الترمذي (3532)، وأحمد بنحوه (1791)، وحسنه محققو المسند]
وقوله في الحديث: (خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم خيرهم فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير فرقة) يحتمل شيئين:
¥