تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[والمناسب لما سبق أن يقول: الإثبات بلا تشبيه، والتنزيه بلا تعطيل]

ومن توجيهات للمتصدين للتعليم والوعظ قوله: "لا ينبغي للواعظ أن يتكلم في الأصول، إلا أن يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأخبار الصفات تمرّ كما جاءت" زاد المسير1/ 54،التبصرة1/ 32،القصاص والمذكرين367.

غير أن الشيخ ابن الجوزي –رحمه الله- خَرَمَ هذهِ القاعدة، واستعمل التأويل في توجيه جملة من نصوص الصفات. وهذا المسلك خطأ من الشيخ –رحمه الله- لكني بتأمل كلامه وتتبعه في هذا المضمار وجدته خاضه لعدة أسباب، منها:

الأول:

وهذا –في رأيي- أهمها، وهو ظنهُ أن الإمام أحمد-وقد كان ابن الجوزي من المعظمين لهُ جداً- أوّل بعض النّصوص، وقد ذكر ابن الجوزي هذا في تفسيره نقلاً عن القاضي أبي يعلى عن أحمد أنه قال في ولهِ تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} المراد به قدرته وأمره. زاد المسير1/ 225.

فابن الجوزي –رحمه الله- لم يمحص هذه الرواية عن الإمام أحمد، ويسبر طريقها ليتحقق من صحتها وضعفها، بل سلَّم بها، وجعل منها مسوغاً للتأويل، وأن الحكم يتعدى من هذه الصفة إلى سائر الصفات.

[فالرواية لا تثبت عن الإمام أحمد، وقد أُجيب عنها بعدة أجوبة، منها أن الرواية من طريق حنبل، وهي مما تفرد بها وقد خالفت المتواتر والمشهور عن الإمام أحمد. أنظر إبطال التأويلات لأبي يعلى.]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد كلامهِ عن هذه الرواية: "ثم من يذهب منهم إلى التأويل –كابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما- يجعلون هذه عمدتهم، حتى يذكرها أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيرِهِ ولا يذكر من كلام أحمد والسلف ما يناقضها"الفتاوى5/ 400.

السبب الثاني:

متابعته لشيخهِ المبجّل –وإن لم يلتقِ به- أبي الوفاء ابن عقيل، فقد كان غارقاً –قبل توبته- في أقوال أهل الكلام وآرائهم، مما أنشأ عنده شبهات حاول إزالتها بالمبالغة في تنزيه الباري تعالى، فجرّه ذلك إلى الغلو في النّف والإغراق في التأويل.

السبب الثالث:

اعتمادهُ –رحمه الله- على سعة اللغة العربية، فأخذ منها الغثّ والسمين لإثبات العقائد الدينية أو نفيها، بل لقد وقع في تناقضاتٍ كثيرة في هذا المجال، بحيث أثبت بحجة اللغة ما نفاه بالحجة نفسها.

ولهذا ردّ عليه كثير من العلماء في عصرهِ وبعده:

فقد أرسل إليه أبو إسحاق العلثي رسالة مناصحة قال لهُ فيها: "اعلم أنه قد كثر النكير عليك من العلماء ... بمقالتك الفاسدة في الصفات، وقد أبانوا وهاء مقالتك" ثم قال مبيناً تناقضه: "ثم لك قصيدة مسموعة عليك في سائر الآفاق، اعتقدها قوم وماتوا بخلاف اعتقادك الآن فيما يبلغ عنك".

وقال عنه موفق الدين المقدسي: "وكان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ ... وكان حافظاً للحديث، وصنف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة وطريقته فيها"

وقال ابن رجب: "ومنها وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من المقادسة والعلثيين، من ميلهِ إلى التأويلِ في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف"

يقول أحمد الزهراني: "أن ابن الجوزي مثبت لصفات المعاني، ومضطرب في الصفات الخبرية، ولم يستقر على رأي" ابن الجوزي بين التأويل والتفويض 154.

والخلاصة:

هي ما فصّل فيه الحكم بالحق والعدل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إذ قال: "إن أبا الفرج –يعني ابن الجوزي- نفسه متناقض في هذا الباب، لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات؛ بل له كلام في الإثبات نظماً ونثراً ما أثبت به كثيراً من الصفات التي أنكرها في هذا المصنف –يعني كتاب دفع شبه التشبيه- فهو في هذا الباب مثل كثير من الخائضين في هذا الباب من أنواع الناس، يثبتون تارة وينفون أخرى في مواضع كثيرة من الصفات، كما هو حال أبي الوفاء ابن عقيل وأبي حامد الغزالي" الفتاوى4/ 169.

ومن أراد الاستزادة فعله بكتاب الشيخ أحمد الزهراني (ابن الجوزي بين التأويل والتفويض)

عقيدته في صفات الله تعالى:

وقد سبق بيان الأصل ..

أما التفصيل فلعلها تكون وقفتان القادمة ..

ثم يتلوها وقفة مع كتاب تلبيس إبليس وتلبيسات وأخطاء العسيري فيها.

======

عقيدته في صفات الله تعالى:

يقول الشيخ أحمد العثمان المزيد –أيده الله ووفقه-:

"تردد موقف الإمام ابن الجوزي –رحمه الله- في مسألة صفات الربّ تعالى، بين النفي والإثبات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير