وتتقطع به أوكيةُ الشر التي أحكمتها يد البغضاء والحسد، وسوءِ الظن، والتشحُّط في الأعراض، والكبر السخيف،’
واختلاس المعروف.
(8)
أي بُني,’
اطلب الحلال من الزَّاد على قلَّةٍ، ولا تَمِلْ بعينك إلى الحرام على كثرةٍ،’
وإيَّاك أن يكون لنفسك عليك سلطان في شبهةٍ ولو على مسغبةٍ،’
وألقِ بجسدك طعاماً سائغاً شهياً للسباع
بصون العرض،’
ونقاءِ السريرة،’
والنُّصح للناس كلِّهم وللعشيرة،’
وأمسك عليك حتى قلامة الظفر أن تُنالَ بهوانٍ من ذا وذاك.
(9)
أي بُني,’
اعلم؛ أن أرفع الناس قدراً من يحفظ عليك ودَّكَ بوفاءِ حقٍّ لمعروفٍ أصابه منك،’
وأنزلَ الناس قدراً من يضيع ودَّك باجتراحك معه خطأً لا يذكر إلى جانب معروف،’
يعمرُ أرضاً شاسعة من البور،’
فاقدر لكلٍّ قدره، وأبْصر بمآلات الذين أصابتهم مودَّة الشيطان بحمَّاها اللاَّهبة،’
وكن من نفسك على محاذرةٍ من أن تجنح بك إلى سبيل لا تعرفها، ’
فتضل وتشقى،’
وأسلم قيادك في طمأنينة إلى قلبك، فإنه يهديك إلى سواءِ القصد،’
ولا يفتَرَّ ثغركَ عن ابتسامةٍ إلا وهي سالبةٌ من صدركَ بغضاً، أو جالبةٌ لك حبّاً، والغبْ في صواب الحقِّ،’
ولا تستهويك سهولة الباطل، فتُكَبَّ على وجهك وأنت تمشي سوياً،’
ولا تخف شيئاً إلا إن يكون فيه معصيةٌ تفرح لها،’
أو طاعة تخشى فواتها.
(10)
أي بُني,’
لا يُحْزِنُكَ أن يفوتك شيءٌ تحسبه نافعاً، ولا يُفْرحك أن يفوتك شيءٌ تحسبه ضاراً،’
إذ لستَ تدري أين النفع أو أين الضرُّ في أحدهما، والله سبحانه يقول,’
{عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ والله يعلم وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
واستَبْقِ النافع بالتضرع إلى الله أن يقيمك على شكره، وادَّرِأ الضارَّ بالرضا بقضاءِ الله فيك،’
واعلم أن ما أصابك ما كان ليخطئِك، وما أخطأك ما كان ليصيبك،’
والله يقدِّر الأشياءَ كلَّها بحكمته وإرادته،’
والخير كلُّه في التسليم بما أراد الله،’
ولا تستعجل ما أخَّره الله، ولا تستبطئْ ما أعجله الله، وارضَ بما قدَّره الله، وتوكَّل على الحيِّ الذي لا يموت , وسبِّح بالعشيِّ والإِبكار،’
واعلم أن ما يكون من ظلام في الليل يعقبه ضوءٌ في النَّهار.
(11)
أي بُني,’
إن خيِّرت بين أن تشرب كأس المنيَّة مدهوقةً عزةً، وبين أن تشرب كأس الحياة يخالطها بعض يسيرٌ من الذِّلة،’
فاشفع الأولى منهما بثانيةٍ، وأنت مبتهجٌ جذلان،’
ومرِّغ جبهتك بالصخور الصلدة الخشنة في يسيرٍ من الطاعة،’
تلقى بها ربك إن أوثقتك المنيَّةُ إليها،’
واحذر أن تمسَّ ناعم الحرير في معصيةٍ، فينتهبك الموت وأنت في لذتها الماتعة،’
ولا تنتعل إلا جلود السباع العاديات،’
ولا تطعم إلا من أجواف الكواسر الراعبات،’
ولا تصحب إلا الصقور في قممها العاليات.
(12)
أي بُني,’
حسبك من التوبة وهي قريبةٌ منك، وليست بنائيةٍ عنك,’
أن تستحضر ما كان من تقصيرٍ مدَّ يوماً رواقه عليك،’
فغمَّ عليك ذنبك حتى توارى بدموعٍ ساخنةٍ سحَّت بها عيناك على وجنتيك، وأماطت الحوبة التي اقترفتها يدكَ،’
أو مشت إليها قدمُك، أو لقفتها أذنك، أو أبصرت بها عينُك، أو جاش بها صدرك، أو أطافتها نفسك من حولك،’
فلم يَعُدْ لشيءٍ مضى أن يعود على صاحبه إلا بِعبْرَةٍ بها، يفيد منها في يومه وغده،’
وما كان لأمر مرَّ وانقضى أن يثوبَ إلا بعظة تهديه إلى حال يأخذ منها أو يدع وهو موقن أنها ذاهبةٌ عنه,’
وليس يحسن بالمرء أن يُلِمَّ بفكرةٍ إلا ليبصر منها بحسنةٍ، أفلتت منه يوماً،’
لعلَّه أن يصيب أحسن منها.
(13)
أي بُني,’
إذا أولجتك مصيبةٌ في بلاءٍ، فألن لها جنبك، حتى لا تكسر فيه فيعجزك،’
وأحسن البصر ما قنَّعك بالقليل، ورضَّاك بما أنت فيه، ونجَّاك من شرِّ نفسك،’
وباعد بينك وبين الإثم، وأدناك من المعروف، وصبَّرك عن الشهوات،’
وأماط عن قلبك الطمع،’
وحبَّب إليك الضعفاءِ، وكرَّه إليك صحبة العصاة والأشراف وأهل الكبر،’
وأقامك على الحق وإن كان صعباً مرَّاً،’
وأعجلك عن الباطل وإن بدا لك سهلاً حلواً.
(14)
أي بُني,’
ليس الضعيف من يشتد ذراعه بالأقوياء،’
إنَّما الضعيف من يرى في أمثاله الضعفاءِ ظهيراً له فهو قويٌّ بهم،’
¥