تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ليست العبرة بصور الأعمال ومظاهرها، إنما العبرة بنيات أصحابها، ومقاصد أصحابها، فإن كانت نيّاتهم سليمة كانت أعمالهم مُستقيمة ومقبولة عند الله، وإن كانت نيّات أصحابها مختلّة أو فاسدة فهي أعمال حابطة وباطلة، {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} هذه النية {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} هود (15 - 16) لماذا؟ لأنهم يريدون في أعمالهم التي ظاهرها العبادة يريدون بها الدنيا، طمع الدنيا، فهذه نتيجة أعمالهم ونيّاتهم الفاسدة، ليس لهم في الآخرة إلا النار؛ لفساد نيّاتهم، ولهذا يقول – صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات)، وهذه كلمة حصر (إنما الأعمال) هذه كلمة حصر.

والحصر معناه: إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عمّا عداه،: إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عمّا عداه، فمعنى هذا: أن الأعمال لا تصح ولا تقبل إلا مع صحة النية، وأما مع فساد النية، فإن الأعمال لا تعتبر ولا تقبل عند الله سبحانه وتعالى مهما بلغت وكثرت.

فيجب على المسلم أن يُخلص نيته عندما يريد أن يعمل عملا من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله أن يُخلص نيته في ذلك من البداية؛ حتى يكون عمله مؤسسا على أساس صحيح، ويخلص النية لله عز وجل، ومن ذلك: الطهارة، فلو أن الإنسان مثلا: أحضر الماء واستعمله على صورة الوضوء أو على صورة الاغتسال، أحضر الماء واستعمله على صورة الطهارة؛ لكنه لم ينوِ الطهارة، فإن هذا لا يكفيه، ولا يَرفع عنه الحدث، ما يرفع عنه الحدث.

لو اغتسل يريد التبرّد والتنظُّف ثم قال لمّا فرغ أو في أثناء عمله، قال: " أو أُريد رفع الحدث "، ما ينفعه هذا؛ لأنه أصلا ما نوى رفع الحدث، فإنما نوى التبرّد أو نوى التنظف، وكذلك لو استعمل الماء على أعضاء وضوئه، يريد النظافة مثلا، أو يريد إزالة الأوساخ، ولم ينوِ الوضوء، فإن هذا لا يُجزيه عن الوضوء لفقدان النية، أما إزالة النجاسة فلا تحتاج إلى نية، الماء كان من باب التّروك، فإنه لا تُشترط له النية، ولو كان على ثوبه نجاسة أو على بدنه نجاسة وغسلها، فإنها تزول النجاسة ولو لم ينوِ إزالتها؛ لأن المقصود ترك النجاسة والابتعاد عنها، فلو غسلها يُريد النظافة، أو يريد التبرد أو يريد غير ذلك فإن هذا يكفي؛ لأن المقصود إزالة النجاسة وقد زالت، (إنما الأعمال بالنيات).

ثم قال – صلى الله عليه وسلم –: (وإنما لكل امرئ ما نوى) هذا تأكيد؛ لأن من نوى شيئا حصل له، ومن لم ينوِ شيئا لم يحصل له، فالحصول حصول المطلوب، مبني على النية، فليس لك من عملك إلا ما نويته، وما لم تنوِ فإنه لا ينفع، وإنما لكل امرئ، والامرئ: المراد به الإنسان، امرئ: يُراد به الإنسان، وهو يُجر ويُنصب (امرُءًا): " وإنَّ امرءًا "، ويُرفع (امرُؤٌ)، فهو على حسب عوامل الإعراب، يُرفع وينصب ويجر بالعلامات الظاهرة، (وإنما لكل امرئ ما نوى)، وأما ما لم ينوه فإنه لا يحصل له، ثم ضرب – صلى الله عليه وسلم – لذلك مثلا بالهجرة.

الهجرة هي: ترك الشيء، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} المدثر (5)، مراد الرّجز: الأصنام، وهجرها: تركها، اترك عبادة الأصنام، فالهجر هو الترك، ومنه: ترك الكلام، يسمّى: هجرًا، إذا ترك مكالمة الشخص فقد هجره، يعني: ترك مكالمته، وترك المعاصي هجرة، المهاجر: من هجر ما نهى الله عنه، ترك المعاصي والسيئات هجرة؛ لأن فيه معنى الترك.

ومن أنواع الهجرة: ترك الوطن، والخروج منه فرارا بالدين، ترك الوطن أو البلد إذا كان لا يستطيع إقامة دينه فيه، فإنه يجب عليه أن يُهاجر إلى أرض يستطيع فيها أن يعبد الله سبحانه وتعالى، كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.

قد هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة، لما ضايقهم الكفار فرارا بدينهم، فالهجرة الأولى، ثم هاجروا الهجرة الثانية من مكة إلى المدينة وهاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى المدينة فرارا بالدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير