تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والهجرة عمل جليل في الإسلام، وهي قرينة الجهاد في سبيل الله {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ} البقرة (218)، قرينة الجهاد؛ لأن فيها تركًا للوطن، تركًا للأولاد والأموال من أجل الدين وعبادة الله وحده لا شريك له، فهي عبادة عظيمة وهي باقية إلى أن تقوم الساعة، كل من لا يستطيع إقامة دينه في بلدٍ وهناك بلد يستطيع فيه إقامة دينه فإنه يجب عليه الهجرة، فإن لم يهاجر وهو يستطيع فعليه وعيد شديد {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً * وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} النساء (97 - 100)، فالهجرة واجبة؛ لأجل الفرار بالدين إلى أن تقوم الساعة.

وأما قوله – صلى الله عليه وسلم -: (لا هجرة بعد الفتح) المراد به: الهجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، فلا هجرة من مكة إلى المدينة بعد الفتح؛ لأن مكة صارت دار إسلام، وليس معناه: لا هجرة مطلقا، بل الهجرة باقية، قوله – صلى الله عليه وسلم -: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها).

فالهجرة عمل جليل، ولهذا جاء ذكر المهاجرين مُقدّمًا على ذكر الأنصار – رضي الله عنه – لأن المهاجرين أفضل من الأنصار؛ لأنهم تركوا أوطانهم وديارهم وأولادهم وأموالهم وفرّوا بدينهم، فاستحقوا الثناء من الله عز وجل والتقديم، فالهجرة عمل جليل؛ لكن إن كانت نية المهاجر (الله ورسوله) فإن هجرته إلى الله ورسوله، وإن كانت هجرته لغير الله ورسوله فإن هجرته إلى ما هاجر إليه.

فالهجرة عمل من الأعمال يُنظر إلى نية صاحبها، فإن كان نيته الهجرة إلى الله والهجرة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فله ما نوى، ويُكتب من المهاجرين في سبيل الله – عز وجل -، (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله).

التقدير: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، لابد من هذا التقدير وإلا يكون الكلام مكررًا، من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، هذا مكرر، لابد من تقدير يُبين المراد، والمراد كما قالوا: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا.

وأما من كانت هجرته لغير الله ورسوله، لدنيا يصيبها، سافر من بلد إلى بلد يريد التجارة؛ لأن البلد الآخر فيه تجارة وفيه ثروة وفيه معيشة، دنيا، الهجر من أجل الدنيا لا من أجل الدين، أو إلى امرأة ينكحها، هاجر من أجل يتزوج للبلد الذي هاجر إليه، ليس له من هجرته إلا هذه المرأة، وليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى.

والحديث له سبب: وهو أن رجلا هاجر في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يريد أن يتزوج امرأة يُقال لها (أم قيس) هاجر يريد أن يتزوج، ولم يهاجر من أجل الدين، النبي – صلى الله عليه وسلم – قال هذا (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وليست إلى الله ورسوله، ليست إلى الله ورسوله، ولهذا صار يسمّى (مهاجر أم قيس) صار هذا الرجل يسمى بـ (مهاجر أم قيس) لأن هذا قصده من الهجرة، هذا أصل الحديث وسببه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير