تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا قضى حاجته ببول أو غائط، فإنه يُزيل أثر النجاسة، فلا يتركها، إما بالاستجمار: وهو استعمال الحجارة، أو ما يقوم مقامها مما يُنظِّف المحل، أو بالاستنجاء: وهو غسل المخرج بالماء، فإن جمع بينهما فهو أحسن، إن استجمر ثم استنجى فهو أحسن، وأتبع الحجارة بالماء، وإن اقتصر على أحدهما أجزأ، إذا اقتصر على الاستجمار أجزأ، وإن اقتصر على الاستنجاء أجزأ؛ لأن المقصود منه إزالة أثر النجاسة من على المخرج، وفي هذا الحديث أنه يُوتر، بمعنى أنه يستجمر بثلاثة أحجار، كما جاء في الحديث الآخر، أنه – صلى الله عليه وسلم – استجمر بثلاثة أحجار، فمعنى الإيتار: أن يستجمر بثلاثة أحجار، إن أنقى بها وإلا زاد عليها؛ لكن لا يقتصر على العدد الشِّفع بل يوتر، فإن أنقى بثلاث لم يزد عليها، وإن احتاج إلى زيادة فليكُن على وتر، يجعلها خمسة ولا يجعلها أربعة، وإن احتاج إلى زيادة يجعلها سبعا ولا يجعلها ستا، هذا معنى فلْيوتر، يعني يقطع استجماره على وتر لا على شفع.

ففيه دليل على أن الاستجمار يكفي لإزالة أثر الخارج بشرط: أن يكون مُنقيًا، بشرط أن يكون مُنقيًا للمحل، ومُنشِّفا له، والأصل فيه الأحجار، وإن استعمل ما يقوم مقام الأحجار، فقد يكون الإنسان في مكان ليس فيه أحجار، مثل دورات المياه، ما فيه أحجار، يستعمل ما يقوم مقامه في تنقية المحل، مثل: المناديل الخشنة المُستعملة، مثل قِطَع الطين القوية، فيستعملها، يستعمل ما يقوم مقام الحجارة، مما يُنقي المحل ولو لم يكن حجارة، إلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الاستجمار بالرَّوْثة - كما يأتي – الروث: وهي رجيع الدواب، نهى عن الاستجمار به، وعن الاستجمار بالعظم.

الاستجمار بشيئين: الرَّوْثة والعظم، فدل على أن ما عداهما يُستعمل بالاستجمار بشرط أن يكون مُنقيًا، يعني: مُنشِّفًا للمحل، لا يستعمل الشيء الأملس أو الشيء الصَّقيل الذي لا يُنشِّف المحل، حتى قال الحنابلة: (لو استجمر بحجر له شُعَب) حجر واحد له شعب، تقوم كل شُعبة مقام حجر، لو استعمل حجرًا واحدا له شعب واستجمر بكل شُعبة ونقّى المحل، فإنه يكفي، (ولو بحجر ذي شُعَب) كما في متن الزاد؛ ولكن على كل حال ما فعله الرسول – صلى الله عليه وسلم – أولى، أو قد يكون هو الواجب، وهو أنه استعمل ثلاثة أحجار، يسمّى (الاستجمار) ويسمى (الاستطابة) يسمى الاستطابة، والاستجمار بمعنى واحد.

المسألة الثالثة: إذا قام أحدكم من النوم، فليغسل يديه وليغسل كفيه ثلاثا، قبل أن يُدخلهما في الإناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، فيه مشروعية غسل الكفّين للقائم من النوم، للقائم من النوم، وهل المراد مطلق النوم بالليل والنهار؟ أو المراد نوم الليل؟

من العلماء من قال عام، الحديث عام في كل من قام من النوم وأراد أن يتوضأ فإنه يغسل يديه، يغسل كفيه ثلاثا، والقول الثاني أن هذا خاص بنوم الليل، وهذا قول الإمام أحمد لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يدري أين باتت يده) والبَيات إنما يكون في الليل، أما نوم النهار فلا يُسمّى بياتًا.

وغسل الكفَّين قبل الوضوء مشروع على كل حال، سواء قام من النوم أو لم يقم، فإن كان لم يقم من نوم فهو مستحب، كما يأتي في حديث عثمان – رضي الله عنه – مستحب.

أما إن كان قام من نوم، سواء نوم ليل أو نوم نهار، فالعلماء على قولين:

القول الأول: أنه واجب، وهو قول الإمام أحمد وجماعة من أهل العلم؛ لظاهر الأمر، فالأمر يفيد الوجوب ولأنه علّل ذلك بقوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) فيدل على الوجوب.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه للاستحباب مطلقا، للقائم من نوم الليل أو نوم النهار، أو من أراد أن يتوضأ ولو لم يسبقه نوم، فيُستحب غسل الكفّين قبل الوضوء.

والراجح: هو القول الأول، أما أن القائم من نوم الليل يجب عليه غسل كفّيه ثلاثا قبل أن يُدخلهما في الإناء؛ لظاهر الأمر وللتعليل الذي في الحديث.

ويؤخذ من الحديث أيضا: أن الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة فإنه يَنْجس، والمراد بالقليل: ما دون القُلَّتين كما يأتي؛ لأن الذي في الإناء قليل، فدلّ على أنه لو قام من النوم من ليل، وأدخل يده فيه فإنه لا يصلح للاستعمال؛ لأن يده مَظنّة النجاسة وأدخلها فيه، فدل على أن الماء القليل إذا وقعت فيه النجاسة أنه يَنجِس، كما هو قول كثير من أهل العلم ولو لم يتغير، ينجس ولو لم يتغير، لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، يعني: النجاسة، فدل على أن ما دون القلتين يحمل الخبث، يعني تؤثر فيه النجاسة، ولا شك أن ما يكون في الأواني أنه دون القلتين فينجِس إذا غمس يديه وهو قائم من نوم الليل قبل غسلهما ثلاثا، لأنهما مَظِنّة النجاسة.

وفي الحديث أيضا: الاحتياط، العمل بالاحتياط؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يدري أين باتت يده) يعني محل شك، ما يدري وين باتت، (لا يدري أين باتت يده) يحتمل أنها وقعت على فرجه وهو نايم، أو أنه حكّ جسمه فخرج دم وهو نايم، أو أنه علق بيده شيء من النجاسة وهو لا يدري، من جسمه أو من دُبُره أو من قُبُله؛ لأنه نايم ولا يدري، ففيه العمل بالاحتياط؛ لأنه لمّا صار احتمال نجاسة أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بغسل الكفين، غسل الكفين منها، فهذا ما يدل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – نعم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير