المنهج الثاني: طرح بعض المسلمات الشرعية، والثوابت القطعية للاستفتاء عبر الصحف والمجلات، والمواقع والقنوات، جاهلين أو متجاهلين ما ورد في بيان حكمها من الأدلة القطعية في ثبوتها ودلالتها، وذلك كالاستفتاء حول حكم الربا وحكم الزنا والشذوذ الجنسي، وحكم الحجاب الشرعي، واشتراط الولي في النكاح، وحكم سفر المرأة دون محرم، وخلوتها بالرجل الأجنبي، واختلاطها بالرجال الأجانب في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية، وحكم الولاء والبراء، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعقوبات الشرعية، وغيرها.
وينسى هؤلاء أو يجهلون أن المصالح التي تتراءى لنا تنقسم ـ كما يقول العلماء ـ من حيث اعتبارها وإلغاؤها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المصالح المعتبرة، وهي التي دل الدليل الشرعي على اعتبارها ورتب عليها الأحكام.
القسم الثاني: المصالح الملغاة، وهي التي دل الدليل الشرعي على إلغائها وعدم اعتبارها، فلا يجوز بناء الأحكام عليها.
القسم الثالث: المصالح المرسلة، وهي التي لم يدل الدليل على اعتبارها ولا إلغائها، ولهذا سميت مصالح مرسلة.
أما الأول والثاني فحكمهما ظاهر، فالمرجع فيهما إلى ما دل عليه الدليل الشرعي في الاعتبار أو الإلغاء، وليس لنا أن نخالف ما دلت عليه الأدلة الشرعية بحجة الأخذ بمبدأ المصلحة التي هي مقصود الشارع من تشريع الأحكام.
وأما القسم الثالث، وهو الذي سكت عنه الشارع، فلم يمنعه أو يشرعه، فإنه محل اجتهاد، ينظر فيه الراسخون في العلم ليعرفوا حكمه من خلال مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، كالقياس والاستحسان والاستصلاح وغيرها، وليس للعامة وأهل الأهواء مدخل فيه، كيف وقد قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} وقال: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}، وقال: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}، وقال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
وقال الله تعالى متوعداً من يقول عليه بلا علم: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، وبين سبحانه أن القول عليه بلا علم من الكذب، وأن الكذب عليه عز وجل ليس ككذب على غيره فقال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ومن هنا يتبين أهمية معرفة المعيار الصحيح والضابط الشرعي لمعرفة المصالح والمفاسد التي تبنى عليها أحكام الشريعة.
وهذا ما سأبينه في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله.
http://www.almisq.net/articles-action-show-id-67.htm
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[07 - 05 - 09, 04:11 م]ـ
جزاك الله خير ... ونفع الله بك
ـ[آبو ريّان الفيفي]ــــــــ[30 - 05 - 09, 08:38 م]ـ
المعيار الشرعي لمعرفة المصلحة والمفسدة 2 - 2
المصلحة المعتبرة شرعاً هي التي تتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية من حفظ ضرورات الناس وحاجاتهم وتحسيناتهم، فليس كل ما يسمى مصلحة في اللغة أو العرف، أو يراه الناس أو طوائف منهم مصلحة، يمكن أن يكون مصلحة مقصودة للشارع، تشرع لتحصيلها الأحكام، ويؤمر بها المكلفون. وكذلك الحال بالنسبة للمفسدة التي هي ضد المصلحة.
¥