ـ[علي الفضلي]ــــــــ[16 - 05 - 09, 07:26 ص]ـ
وقال في (أدب الصحبة):
(قال حكيم: متى انتظمت بينك وبين أحد صحبة، فعليك حقوق وآداب يوجبها عقد الصحبة، وهي الإيثار بالمال، فإن لم يكن، فبذل الفضل من المال عند الحاجة، والإعانة بالنفس في الحاجات على سبيل المبادرة من غير إحواج إلى التماس، وكتمان السر، وستر العيوب، والسكوت عن تبليغ ما يسوء من مذمة الناس إياه، وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه، وحسن الإصغاء عند الحديث، وترك المماراة فيه، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن يثني عليه بما يعرفه من محاسنه، وأن يشكره على صنيعه في وجهه، وأن يذب عنه في غيبته إذا تُعرّض لعرضه كما يذب عن نفسه، وأن ينصحه باللطف والتعريض إذا احتاج إليه، وأن يعفو عن زلته وهفوته، فلا يعتب عليه، وأن يدعو له في خلوته في حياته وبعد مماته، وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاربه بعد موته، وأن يؤثر التخفيف عنه، فلا يكلفه شيئا من حاجته، ويروّح قلبه من مهماته، وأن يظهر الفرح بما يباح له من مساره، والحزن بما يناله من مكارهه، وأن يضمر مثل ما يظهره، فيكون صادقا في وده سرا وعلانية، وأن يبدأه بالتحية عند إقباله، وأن يوسع له في المجلس، ويخرج له من مكانه (1)،
وأن يشيعه عند قيامه، وأن يصمت عند كلامه، حتى يفرغ من خطابه، وأن يترك المداخلة في كلامه، وأن يسكت عن القدح في أحبابه وأهله ولده، وعن قدح غيره فيه، وأن لا يخفي عليه ما يسمع من الثناء في حقه، فإنّ إخفاء ذلك من الحسد، وأن لا يسأله إذا رآه في طريق عن مصدره ومورده، فربما ثقل عليه ذكره، أو يحتاج إلى الكذب، وأن يتجاهل عما يكرهه منه، ويتغافل عن مناقشته.
أوصى أحد الحكماء (2) ابنه، فقال: يا بني:
إذا عرضتْ لك إلى صحبة الرجال حاجة، "فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤونة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن رأى سيئة سدّها، اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولتُما أمرا أمّرك، وإن تنازعتما آثرك" (3)) اهـ.
(1) أما هذه فهي مخالفة لنهي النبي – صلى اله عليه وسلم – حيث جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا يفسح الله لكم - وفي رواية- قال:
وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه).
رواه البخاري ومسلم.
(2) هو علقمة العطاردي كما في (الإحياء).
(3) وأين مثل هذا الصاحب؟!! إنما هو أعز من الغراب الأعصم أو أعز من الأبلق العقوق!.
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[17 - 05 - 09, 07:58 ص]ـ
وقال في (أدب الأصدقاء):
(ترفض صداقة من اشتهر بالبخل، ومن اشتهر بالنميمة والثلب والسفه، ومن عرف بالكبرياء والخفة والطيش وعدم حفظ السر، أو اشتهر بحب الهذر والهذيان والتهتك والخلاعة والكسل، ولا يقبل في التآخي من أصيب بخلل في عقله، أو شذوذ في أفكاره، حتى لا تسقط درجة آداب الإخوان وعلومهم، ولا يكون بين أفرادهم واحد لا خير للإنسانية والعمران فيه.
قال حكيم:
احذر مؤاخاة من يجعلك أكبر همه، ويؤثر ألا يخفى عليه شيء من أمرك!، فإنه يتبعك ويأسرك.
قال الإمام الغزّالي:
إذا طلبت رفيقا ليكون شريكك في التعلم، وصاحبك في أمر دينك ودنياك، فراعِ فيه الشروط التي يصلح بها للأخوة والصداقة، وهي خمس:
الأولى: العقل، فلا خير في صحبة الأحمق، فإلى الوحشة والقطيعة يرجع آخرُها، وأحسن أحواله أن يضرك وهو يريد أن ينفعك!، والعدو العاقل خير من الصديق الأحمق الجاهل.
الثانية: حسن الخلق، فلا تصحب من ساء خلقه، وهو من لا يملك نفسه عند الغضب والشهوة.
الثالثة: الصلاح، فلا تصحب فاسقا، فإن من لا يخاف الله تعالى لا تُؤْمنُ غوائله، بل يتغير بتغير الأعراض والأحوال، ومشاهدة الفسق والمعصية على الدوام تزيل عن القلب كراهية المعصية، وتهون عليه أمرها.
الرابعة: لا تصحب حريصا، فصحبة الحريص على الدنيا سم قاتل، لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري!.
¥