تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و على المنصوح له أن يكون ممن روّض نفسه على الانصياع و القبول لكلمة الحق، من غير مشاحة ولا تعصب، فتوجد إذْ ذاك القابلية التامة لما بعد ذلك من التخلق بالأخلاق الحميدة، و التحلي بحلى الآداب الحقة، و إلا فما دام العناد في قبول كلمة الحق مستوليا على القلب بجنود التعصب الأعمى فمن المحال أن يُرجى لدائه شفاء، ولاندمال جرحه دواء، ومهما بلغتِ الأنفس من الكمال شأوا كبيرا، وحصلت من السعادة على درجة عظيمة، فهي في حاجة إلى النصح والإرشاد.

و ما ألطف ما قال بعض الأخيار في هذا الموضوع:

الدعوة إلى الهدى بنور الله ورسوله من أهم المشروعات، وأكبر الوظائف الدينية، وتعليم الدين وبثِّ أصوله في نفوس أهله فريضة، لا يصح تركها والتقاعس عن أدائها بوجه من الوجوه، و لا مجال للنزاع في أن أحكم الوسائل و أقوم السبل لتربية الشعوب وترقية الأمم هو قيام كبار الأخيار و قادة الأفكار بدعوتها للبحث في أسرار الشرائع، وفي مذاهب الحياة، و النظر في طبائع الكون ونواميس العمران، وأنه ينبغي على من يأنس من نفسه القدرة على أداء هذا الواجب الملي، و بث روح اليقظة بين أفراد تلك الأمة أن يسعى لخير قومه، سالكا سبيل الجرأة والإقدام و الثبات، فلا يسأم من تكرار الدعوة وموالاة الإرشاد إلى ما يتوسم البلوغ بسببه إلى الغاية المبتغاة، من سبيل التقدم، ومناهج الترقي، فقد قالوا: إن مقاليد القلوب بأيدي الخطباء، و أزمة النفوس بأيدي الكُتّاب.

و قال الصاحب ابن عبّاد: إذا تكرر الكلام على السمع تقرّر في القلب، و ناهيك بالخطابة والكتابة اللتين تُعَدّان من أهم دعائم العمران، التي قام عليها بناء المجتمع الإنساني، فإنك لا تجد جمعية تألفت، أو دولة قامت، أو دينا انتشر، أو شرعا تقرر، إلا على إحدى هاتين الدعامتين، أو عليهما معا، فهو الآلة المؤثرة في النفوس للاقتناع بالغرض، الذي تحاول جذبها إليه بمؤثرات الترغيب والترهيب، و الزجر والحض، و الوعد والوعيد، ونحو ذلك.

وهكذا كان حال السلف من أئمتنا ومرشدينا، ممن أوتوا سحر البيان، و فصل الخطاب، وبذلك جاء قوله تعالى:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] (3)) اهـ.


(1) قال ابن فارس- رحمه الله تعالى- في (معجم مقاييس اللغة):
(النون والواو والهاء كلمةٌ تدلُّ على سُموٍّ وارتفاع.
وناه النَّبات: ارتفع، وناهَت النّاقةُ: رفعَتْ رأسَها وصاحت. ومنه نُهْتُ بالشَّيء ونوَّهتُ: رفعت ذِكْرَه.
ويقولون: ناهَتْ نَفْسُه: قوِيَتْ) اهـ.
(2) الأَوَد: الاعوجاج.
قال في (القاموس):
(أوِدَ، كفَرِحَ، يأْوَدُ أوَداً اعْوَجَّ .. ) اهـ.
(3) روى ابن جرير – رحمه الله تعالى – بسنده إلى قتادة قال ذُكِر لنا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رأى من الناس رِعة (أ)، فقرأ هذه الآية:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... }، ثم قال:
(من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير