(وإذا كانت هذه طريقة التعريف في العهد الماضيفإنّ الملتقط يعرّف اللقطة بالطرق المناسبة في هذاالعصر، والمهم حصول المقصود وهو بذل ما يُمكن للوصول إلى صاحبها).
- والحديث يدل على وجوب التعريف باللقطة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (اعرف وكاءها وعفاصها): دليل على وجوب معرفة صفاتها، حتى إذا جاء صاحبها و وصفها وصفاً مطابقاً لتلك الصفات، دُفعت إليه، وإن اختلف وصفه لها عن الواقع لم يجز دفعها إليه.
- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تعرف، فاستنفقها): دليل على أن الملتقط يملكها بعد الحول وبعد التعريف، لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها: أي حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، فإن جاء صاحبها بعد الحول، ووصفها بما ينطبق على تلك الأوصاف، دفعها إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فادفعها إليه).
وقد تبين مما سبق أنه يلزم نحو اللقطة أمور:
أولاً: إذا وجدها،فلا يُقْدم على أخذها إلا إذا عرف من نفسه الأمانة في حفظها والقوة على تعريفها بالنداء عليها حتى يعثر على صاحبها، ومن لا يأمن نفسه عليها، لم يجز له أخذها،فإن أخَذَها، فهو كغاصب، لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه، ولما فيأخذها حينئذ من تضييع مال غيره.
ثانياً: لا بد له قبل أخذها من ضبط صفاتها بمعرفة وعائها ووكائها وقدرها وجنسها وصنفها، والمراد بوعائها ظرفها الذي هي فيه كيساً كان أو خرقة، والمراد بوكائها ما تُشدّ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والأمر يقتضي الوجوب.
ثالثاً: لابد من النداء عليها وتعريفها حولاً كاملاً في الأسبوع الأول كل يوم، وبعد ذلك ما جرت به العادة، ويقول في التعريف مثلاً: من ضاع له شيء ونحو ذلك، وتكون المناداة عليها في مجامع الناس كالأسواق،وعند أبواب المساجد في أوقات الصلوات، ولا ينادي عليها في المساجد لأن المساجد لم تبن لذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل لا ردها الله عليك).
رابعاً: إذا جاء طالبها، فوصفها بما يطابق وصفها، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولقيام صفتها مقام البينة واليمين، بل ربما يكون وصفه لها أظهر وأصدق من البينة واليمين، ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل، أما إذا لم يقدر على وصفها، فإنها لا تدفع إليه، لأنها أمانة في يده، فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها.
خامساً: إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولاً كاملاً، تكون ملكاً لواجدها، لكن يجب عليه قبل التصرف فيها ضبط صفاتها، بحيث لو جاء صاحبها في أي وقت، ووصفها ردها عليه إن كانت موجودة، أو ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها مراعى يزول بمجيء صاحبها.
تنبيه: من هدي الإسلام في شأن اللقطة تدرك عنايته بالأموال وحفظها وعنايته بحرمة مال المسلم وحفاظه عليه، وفي الجملة ندرك من ذلك كله حث الإسلام على التعاون على الخير، نسأل الله سبحانه أن يثبتنا جميعاً على الإسلام ويتوفانا مسلمين.
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان آل فوزان ص 150